العراق ما بعد الأول من أكتوبر

العراق ما بعد الأول من أكتوبر

المغرب اليوم -

العراق ما بعد الأول من أكتوبر

بقلم - مصطفى فحص

لم يعد ممكناً للنظام العراقي إعادة ترميم علاقته مع العراقيين عموماً؛ والشيعة بشكل خاص، فما بعد أحداث مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لن يكون كما قبلها، بعدما خسر نظام المكونات الطائفية الشرعية في الشارع واختار أن ينتزعها بقوة السلاح، لكن الشارع الذي تراجع مؤقتاً لالتقاط أنفاسه بعد أسبوع من القتل والقمع والاعتقالات، لا يبدو أنه رضخ للقوة، مما يرجح عودة المواجهات في أي لحظة، لكن هذه المرة قد تكون بإصرار أوسع من قِبل المتظاهرين وشراسة أكبر من قبل النظام، الذي لم يعد يملك وسيلة أخرى للدفاع عن مصالحه واستمراره إلا استخدام القوة التي قد لا تسعفه لمدة طويلة، خصوصاً أنه خرج من المواجهة منقسماً بين جناحين؛ أحدهما يمثل ما تبقى من الدولة ومؤسساتها الشرعية ويبحث عن إمكانية الوصول إلى تسوية ظهرت مخرجاتها في خطاب رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح، الذي توجه بخطابه إلى جميع العراقيين قائلاً: «يجب أن نتصارح جميعاً؛ مسؤولين وأحزاباً وموظفين وناشطين ومثقفين ومواطنين، بأن هذا الحراك... هذه الاحتجاجات؛ جاءت على خلفية البؤس والمظالم والشعور العام بحاجة البلد إلى الإصلاح».
خطاب صالح الذي تبنَّى فيه ما جاء في خطاب المرجعية الدينية، ربط شرعية النظام السياسي بتحقيق مطالب المظاهرات، وهو ما يمكن وضعه في إطار محاولات احتواء الأزمة من خلال الدعوة إلى القيام بعملية إصلاح شاملة، لكنها غير ممكنة في ظل تركيبة سياسية معقدة، وقوى مسلحة تهيمن على القرار الفعلي للدولة ولن تتراجع عن فرض مشروعها، وتتمثل في جماعات ما دون الدولة، وتمكنت من فرض خياراتها على الجميع، وخاطبت العراقيين بلغة المنتصر الذي سيكتب تاريخ العراق ما بعد «أكتوبر (تشرين الأول)».
فقد رسم رئيس «هيئة الحشد الشعبي» فالح الفياض ملامح المرحلة المقبلة للعراق عندما عدّ أن ما قام به «الحشد» هو دفاع عن الدولة، بقوله: «نحن ندافع عن دستور وعن دولة بنيناها بالدماء والتضحيات». الفياض الذي أكد جهوزية «الحشد الشعبي» للقضاء على الانقلابيين والمتآمرين، حسم موقع ودور «الحشد» في العملية السياسية التي باتت بأكملها تحت سطوته.
عملياً، كشف الحجم الكبير للضحايا منهجية جديدة في تعاطي النظام مع من يتجرأ على معارضته، ولجوؤه إلى استخدام العنف المفرط، ليس فقط من أجل القضاء سريعاً على انتفاضة الشعب العراقي في وجه نظام 2003؛ بل بهدف إعادة ترتيب الأدوار داخل العملية السياسية وحسم المواقف الداخلية والتحالفات الخارجية، لذلك فإن اللجوء إلى تطبيق النموذج السوري ضد المتظاهرين وشيطنتهم واتهامهم بالعمالة للخارج أمر خطير.
هل نجح مخطط القمع في منع المتظاهرين من احتلال الساحات الكبرى، خصوصاً «ساحة التحرير» وسط بغداد لرمزيتها، حتى لا يتمكن الحراك من بلورة مواقفه السياسية والمطلبية وتحويل ساحة الاعتصام إلى منصة تفرض شروطها على النظام. لقد كشفت الأحداث الأخيرة عن أن الطرف الأقوى قضى على مساعي تحييد العراق عن صراعات المنطقة، وربط مستقبل العراق بالمصالح الإيرانية التي باتت تهدد وحدة المجتمع العراقي وعلاقته بنظامه، خصوصاً أن حركة الاحتجاجات تبنت مطالب سياسية تهدد تركيبة النظام الحالي، من خلال المطالبة بنظام انتخابي جديد يُلغي هيمنة أحزاب السلطة التي فشلت في بناء الدولة وغرقت في الفساد والمحاصصة، إضافة إلى أخرى سيادية كانت أشبه بالدعوة إلى انتزاع استقلال العراق من الانتداب الإيراني... وهذه أول مواجهة مباشرة بين النفوذ الإيراني وأدواته العراقية، وبين مظاهرات خرجت في المناطق والمدن ذات الأغلبية الشيعية منذ 16 سنة؛ مظاهرات عرّت السلطة الحاكمة أمام بيئتها الاجتماعية التي تطالب علناً برحيلها، وتطالب بفصل المسار العراقي عن الإيراني؛ الأمر الذي يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة بين طهران والأغلبية الشيعية العراقية، التي تحركت للحفاظ على هويتها الوطنية في وجه مشروع استتباعي يعمل على إلغاء خصوصيتها العقائدية والثقافية.
بعد 16 عاماً على سقوط «جمهورية البعث»، التي وصفها كنعان مكية بـ«جمهورية الخوف»، عاد الخوف الجماعي إلى العراق، ولكن هذه المرة بات خوفاً على «الجمهورية» أيضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق ما بعد الأول من أكتوبر العراق ما بعد الأول من أكتوبر



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib