لبنان اليوم التالي بعد الاستقالة

لبنان... اليوم التالي بعد الاستقالة

المغرب اليوم -

لبنان اليوم التالي بعد الاستقالة

بقلم - مصطفى فحص

يُصِر الطرف القابض على السلطة والقرار في لبنان على محاولة تمييع استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، والتمسك برواية أطلقتها ماكينته الإعلامية أرادت من خلالها تشتيت انتباه اللبنانيين عن أصل الخبر وإشغالهم بتفاصيله، فحتى اللحظة لم يَتخل «حزب الله» وشركاؤه في الحكومة اللبنانية عن ربط استقالة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري مع حملة التوقيفات التي نفذتها لجنة مكافحة الفساد السعودية التي طالت 18 أميراً وقرابة 38 وزيراً ومسؤولاً ورجل أعمال، هذا الإصرار على رواية من نسج الخيال مبنية على كم غير مسبوق من الإشاعات والتلفيقات، تهدف حتماً إلى إبعاد الرأي العام الموالي للحزب عن المعنى الحقيقي للاستقالة، وقد جاء الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ضمن هذا السياق، والذي لم يختلف عنه كثيراً عن توصيف المقيم في قصر بعبدا، الذي عبّر عن صدمته من استقالة الحريري معتبراً أنها حصلت بالإكراه، لعل ذلك يؤمن مخرجاً قانونياً أو دستورياً أو حتى افتراضياً أو وهمياً من أجل رفضها وإنكار حصولها، وهو ما ذهب إليه أيضا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أيد بيان الإنكار الذي تبناه الرئيس ميشال عون، وأكد أنه «بكير كتير كتير كتير الحديث عن استقالة أو تأليف حكومة». ومن الواضح أن مواقف وتعليقات ممثلي المحور الإيراني في لبنان تعكس حجم الارتباك الذي خلفته خطوة الحريري التي كشفت عن واقع صعب يواجهه الطرف المصدوم من فعل الاستقالة، حيث يعلم أصحاب القرار في بيروت وطهران أن تداعياتها أكبر وأوسع من محلية، وبأن ما بعدها ليس كما قبلها وهو التحذير الذي أطلقه وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ولبنان ثامر السبهان، الذي أكد في أكثر من تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى وسائل الإعلام اللبنانية والعربية أن مرحلة السماح قد انتهت، وأنه بيد اللبنانيين تحديد ما ستؤول إليه الأمور مع السعودية.
من الممكن اعتبار استقالة الحريري في بعدها الإقليمي خطوة فعلية على طريق الخروج من روح الاتفاق النووي، وطي صفحة اعتبرت من مخلفات مرحلة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حين قدم لبنان جائزة ترضية لطهران، التي استفادت من تواطُؤها مع واشنطن في أكثر من ملف، فأمنت وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة تخدم تطلعاتها في المنطقة، وتلبي رغبات «حزب الله» الداخلية وتغض الطرف عن نشاطاته الخارجية، دون مراعاة لحسابات لبنان الداخلية ومصالحه العربية وعلاقاته الدولية. وفي لحظة استئثار كامل بالسلطة وشعور واضح بالغلبة حاول الحزب استخدام الحكومة اللبنانية كمنصة لفرض التطبيع مع النظام السوري، وإعادة الاتصال الرسمي معه عبر الترويج لحصته الكبيرة في مشاريع إعادة إعمار سوريا، التي كانت الهَم الشاغل لوزير خارجية لبنان جبران باسيل، الذي تحول في الآونة الأخيرة إلى مقاول على طريق دمشق بيروت، إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت كلام مستشار المرشد علي خامنئي للشؤون الدولية علي ولايتي الذي صَرّح من أمام السراي الحكومي بعد خروجه من لقاء الحريري عن انتصار محور إيران في سوريا، معتبراً أن لبنان دولة وشعباً جزء من هذا الانتصار، وهو ما يمكن اعتباره انقلاباً على التسوية مع الحريري التي عقدت قبل عام، وإعلاناً عن مرحلة الاستئثار الكامل بلبنان دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح اللبنانيين، خصوصاً أن الدولة على أبواب عقوبات قاسية سيكون لها ارتدادات سلبية على الاقتصاد الوطني. وعليه فإن الرئيس الحريري انتظر اللحظة المناسبة ليطلق صافرة النهاية ويسحب الغطاء الدستوري والقانوني عن حكومة فرض المصالح الإيرانية على الدولة اللبنانية والمنطقة، ليصطدم مهندسو الهيمنة بأن الغلبة في لبنان مستحيلة، وبأنهم يستطيعون تعطيل حكم سعد الحريري، لكن الحقيقة المرّة التي يواجهونها في اليوم التالي بعد الاستقالة، أنهم لا يستطيعون الحكم من دونه، خصوصاً أن مخاطر اقتصادية تلوح في الأفق يعتقد البعض أنها ستؤثر على الاستقرار المالي والمعيشي، ما قد يتسبب بفوضى أهلية وصدامات على خلفية أن ممارسات «حزب الله» الخارجية كانت السبب المباشر للأعباء المعيشية التي فرضت على المواطنين، إضافة إلى ما حذّر منه النائب اللبناني عقاب صقر من مغبة جرّ لبنان إلى مواجهة إقليمية دولية يجري الحديث عنها في سوريا، وهي لو حدثت سيتحول النقاش في لبنان ليس في البحث عن رئيس جديد للحكومة، بل عن رئيس جديد للجمهورية.
عودٌ على بدء، يُصرّ الطرف المصدوم بالاستقالة على المراوغة والتهرب من الإجابة عن سؤال يقلق اللبنانيين كافة... ماذا عن اليوم التالي بعد الاستقالة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان اليوم التالي بعد الاستقالة لبنان اليوم التالي بعد الاستقالة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
المغرب اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 16:13 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
المغرب اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 13:16 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن
المغرب اليوم - التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان "صقر وكناريا"
المغرب اليوم - محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:54 2020 الأربعاء ,10 حزيران / يونيو

لجنة أمنية تتفقد "المركز الجهوي للامتحانات" في فاس

GMT 20:25 2020 الأحد ,07 حزيران / يونيو

نصائح لاختيار أرضيات المنازل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib