كْلاسيكُو بنما

كْلاسيكُو بنما

المغرب اليوم -

كْلاسيكُو بنما

بقلم عبد الله الدامون

يعرف الضالعون في شؤون الصيد البحري أنه لكي يتم الحصول على غنائم كثير من السمك لا بد من توفر شرطين: الأول هو توفر عدد كاف من الصيادين، والثاني هو التوفر على شباك قوية وكبيرة قادرة على اصطياد أسماك وفيرة.. وكبيرة.ىهذا ما حدث بالضبط في القضية التي تفجرت مؤخراً والمعروفة باسم «وثائق بنما». لقد شاركت أزيد من مائة صحيفة عبر العالم في تحقيق غير مسبوق حول الفساد المالي على المستوى العالمي فوقعت في الشباك أسماك كثيرة وكبيرة، كبيرة جداً، إلى درجة أن الصيادين أنفسهم لم يصدقوا ما رأته أعينهم وكأنهم صيادو بني إسرائيل المتمردون على تحريم الصيد سبْتاً. ولكي نعيد التذكير بحكاية «وثائق بنما»، فهي تتعلق بتحقيق صحفي ضخم نشره مؤخراً «الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين»، وكشف أن 140 زعيما سياسيا عبر العالم، إضافة إلى أسماء بارزة في كرة القدم، هرّبوا أموالا من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية. وأطلق على الوثائق المسربة اسم «وثائق بنما».ىفي حكاية «وثائق بنما» عِبَر كثيرة، هي أنه لأول مرة تشارك أزيد من مائة صحيفة عبر العالم في تحقيق من هذا الحجم، وهو أول تحقيق يشارك فيه أزيد من مائة صحفي من مختلف الجنسيات والقارات، والنتيجة كانت في مستوى التطلعات. عندما سمعت بالخبر قلت مع نفسي: «وما المانع من أن تقوم، يوما ما، أكثر من صحيفة مغربية بتحقيق مماثل من أجل اصطياد أكثر من سمكة في هذا البلد، حيث نتوفر على بحر شاسع من الفساد يمتد من السعيدية إلى الكْويرة، وفيه من الأسماك الكبيرة ما لا يعد ولا يحصى. كما أن الحصول على المعلومة صار حقاً مقدسا في المملكة السعيدة جدا، والبلاد تعيش في إطار حملة غير مسبوقة ضد الفساد. إنها مزحة فقط. أن تشترك صحف مغربية في تحقيق مشابه فهذه خرافة، فالشيء الوحيد الذي تشترك فيه الصحف المغربية هو حفنة من القراء، أما الحق الوحيد المتاح في هذه البلاد فهو حق اللصوص في الوصول إلى المال العام. الصحافي المغربي الذي يريد الوصول إلى المعلومة يجد أمامه قاعدة بخط عريض تقول إن الوصول إلى المعلومة حق مقدس، وتحت ذلك الخط العريض استثناءات كثيرة كُتبت بخط صغير جدا تجعل الوصول إلى المعلومة أصعب من الوصول إلى المريخ. هكذا تم التنصيص، بشكل استعراضي فج، على حق الوصول إلى المعلومة، لكي يعتقد الغرب أننا أمة متحضرة ويصفق لنا، لكن هذا الحق تمت إحاطته بكثير من نصوص العهد القديم الشبيهة بعبارة «كل ما من شأنه»، وأحمق جدا من يعتقد أن زمن «كل ما من شأنه» قد انتهى. عندنا تحدث الأشياء بشكل مقلوب تماماً. فالقوانين الجميلة موجودة بكثرة، لكنها مثل السلاحف، كلها مقلوبة على ظهرها. وقبل بضع سنوات صدر قانون ينص على حماية الذين يكشفون عن حالات الفساد، فصفق الكثيرون لهذا القانون حتى قبل أن يروا نتائجه. أحد الموظفين في وزارة المالية صدق ذلك قبل الأوان وكشف عن تعويضات كبيرة غير شرعية يأخذها وزير الاقتصاد والمالية آنذاك، صلاح الدين مزوار. بعدها تم الحكم على كاشف الفساد بالسجن بدعوى تسريبه معلومات سرية، بينما ترقى مزوار إلى منصب وزير الخارجية. من حسن الحظ أن تحقيق «وثائق بنما» لم يشارك فيه أي صحافي مغربي، وإلا لكان الآن يقف على عتبة القاعة رقم 7 بمحكمة عين السبع بالدار البيضاء حيث يتم النظر فيما يسمى «جرائم الصحافة والنشر». هذه القاعة هي المكان الوحيد الذي يقف فيه الصحافيون في طابور انتظار دورهم! لنعد إلى فضيحة «وثائق بنما»، التي يقول البعض إنها جنازة كبيرة لميت فأر، لكن الحقيقة أنها فئران كبيرة، تشبه فئران غابات كندا، التي تنافس الدببة في حجمها. هذه الوثائق أكدت مرة أخرى، لمن يحتاج إلى تأكيد، أن هذا العالم ينقسم إلى فسطاطين: فسطاط السراق وفسطاط المسروقين، فلأول مرة تصبح أيسلندا المتقدمة مثل الكونغو المتخلفة، والصين الشيوعية مثل أمريكا الإمبريالية. اللصوص ملة واحدة، وكلهم يلعبون معا في كلاسيكو عالمي لا علاقة له بكلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة، بل في كلاسيكو عالمي عملاق اسمه «كلاسيكو بنما».  

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كْلاسيكُو بنما كْلاسيكُو بنما



GMT 09:38 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

«بوليساريو» الداخل..!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib