في تقدم المغرب وتراجع المغاربة

في تقدم المغرب وتراجع المغاربة!

المغرب اليوم -

في تقدم المغرب وتراجع المغاربة

حسن طارق

في زمن سابق، كان اليسار المغربي، أساسا، مدرسة في فهم المجتمع. الدرس الأول والأكثر بداهة للمهدي بن بركة وعزيز بلال وعمر بنجلون وأبراهام السرفاتي وعبدالسلام المودن وإدريس بنعلي، كان هو أننا لا يمكن أن نغير مجتمعا لم نفهمه بشكل جيد، ولم نتعرف على اتجاهات تشكيلته الاجتماعية والاقتصادية والطبقية ومرجعياته الثقافية والدينية، وتركيبة قواه الحية والمؤثرة.
انطلاقا من ذلك، لا يمكن في باب النظر لتحولات المجتمع المغربي، القفز بتاتا على الأطروحات المركزية التي أنتجت كأدبيات سياسية لليسار، لكن بخلفية فكرية قوية تمتحّ من معين المعرفة العلمية والنظرية الرصينة، كما هو الشأن مثلا لوثيقة: «أزمة المجتمع والبناء الديمقراطي» التي عُرضت على المؤتمر الرابع للاتحاد الاشتراكي (1984)، أو بمجموع النقاش الذي احتضنته أسبوعية «أنوال» لحظة المراجعات الكبرى لأطر 23 مارس في بداية الثمانينات، أو ما كانت تكتنزه الأطروحات المعروضة على أنظار مؤتمري التحرر والاشتراكية من جهد نظري ومعرفي.
مناسبة هذا الاستطراد، هي الملاحظة التي سبقني إليها الصديق والأستاذ محمد المحيفيظ حول عزوف الأحزاب السياسية على وجه الخصوص ومجموع المتدخلين في الحوار العمومي، على استثمار والعناية بنتائج الإحصاء الوطني الأخير لعام 2014.
وهي ذاتها الملاحظة التي أثارها، خلال الأيام القليلة الماضية، الأستاذ محمد الطوزي، في معرض مداخلة له في ندوة حول موضوع: «التحولات الاجتماعية والاقتصادية على ضوء إحصاء 2014».
إن السؤال حول ماهية هذه «النّحن» الجماعية، سؤال غير قابل للالتفاف بالنسبة إلى صاحب القرار ومدبر السياسات، كما بالنسبة إلى الاقتصادي والمُقاول والمثقف والفاعل السياسي.
خاصة أن الإطلاع على ما أنتجته السوسيولوجيا المغربية في رصدها لتحول المجتمع المغربي، سواء عبر تحليل مستويات التّدين، أو قراءة منظومات القيم المتساكنة، أو تفكيك بنيات الأسرة والشباب والمرأة، يوضح أن اتجاهات التطور، لا تقبل استنتاجات سهلة وخطية، بقدر ما تحيل على مفارقات واضحة بين الانفتاح على العصر وبين الخوف على الذات. من جهة، هناك نزوع نحو الفردانية تُغذيه تحولات المدن والأسرة والتعليم. ومن جهة أخرى، هناك عودة قوية لسلوكيات المُحافظة وخطابات الهوية.
لذلك، ربما كثيرون، يستحضرون الأعمال الرائدة للمفكر المصري جلال أمين، حول تحولات المصريين الاجتماعية والذهنية والقيمية، خلال قرن كامل من التطور التاريخي. ففي هذه الأعمال كثيرا ما ينطلق هذا الاقتصادي المعروف من وقائع يومية عابرة، أو من تجربة أسرية خاصة، ليخوض في مقارنات وتحليلات عميقة للذات الجماعية.
في قراءة معطيات الإحصاء، البعض اعتبر مثلا أن عودة الاعتبار لمؤسسة الزواج، يمكن أن تُقرأ كدليل على توجه مجتمعي حثيث نحو المُحافظة، ذلك أن النتائج توضح من خلال مؤشر «الزواجية» كيف أن نسبة العزاب في صفوف الرجال تراجعت من %45.7 سنة 2004 إلى 40.9% سنة 2014. وفي صفوف النساء انتقلت من 34 إلى 28.9% وذلك لفائدة المتزوجين الذين ارتفعت نسبتهم من% 53 إلى %57.3 لدى الرجال، ومن %54 إلى 57.8% لدى النساء.
لذلك، وفي واحد من تعليقاته الأكثر تعبيرا عما يُمكن الاحتفاظ به كخلاصة قوية لنتائج الإحصاء الأخير، سيعتبر أحمد الحليمي بأن المجتمع المغربي يعرف مسلسلا للعودة إلى التقليد [La société est en train de se retraditionaliser].
لا أعرف في أي سياق التقطت عبارة الأستاذ والمناضل النّزيه فتح الله والعلو، وهو يَخْلُص إلى أن «المغرب يتقدم والمغاربة يتراجعون»، هل كان ذلك في لقاء خاص أم في حوار صحافي أم في ندوة مفتوحة؟
لكن المؤكد أن هذه الجملة الصغيرة تُكثف في بعدها المفارق تحولات كبيرة تخترق مجتمعنا المغربي، وهي بحاجة إلى تفكيك علمي صارم يحاول الجواب عن اللّغز الذي نتعايش معه بشكل يومي: من هم حقا المغاربة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في تقدم المغرب وتراجع المغاربة في تقدم المغرب وتراجع المغاربة



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib