أطروحة سيئة الذكر

أطروحة سيئة الذكر

المغرب اليوم -

أطروحة سيئة الذكر

بقلم - حسن طارق

في سياق التفاعل مع دينامية “حراك الريف” وأسئلته، كانت الأستاذة والمناضلة الديمقراطية لطيفة البوحسيني، قد انتبهت إلى أن “المركب” الإعلامي/ السياسي/ المدني، الذي تكفل، خلال الولاية السابقة، بمواجهة بنكيران وتجربته الحكومية، بعيدا عن أدنى شروط الموضوعية، وبتحامل إيديولوجي فج، وبتماه واع و”مرتب” مع قوى الارتداد السلطوي، هو نفسه الذي يقود منذ عشرة شهور معركته المقدسة الجديدة ضد الحركة الاحتجاجية بالريف.

وهو ما يكشف لوحده زيف كل الشعارات المفضوحة للموقف المتهافت لهذا “المركب”، ويجعله ليس جديرا حتى بأن يوصف كمجرد معارضة بخلفية إيديولوجية حادة، ذلك أن الانتقال من معاداة الإسلاميين – التي قد تكون مفهومة كموقف ثقافي مستقل عن رهانات السلطة – إلى معاداة الاحتجاج الاجتماعي، يسقط على هذه (الأطروحة) أبسط مقومات المصداقية السياسية والنزاهة الفكرية، ويجعلها مجرد تنويع على خطاب السلطوية!

وفي العمق تصبح هذه (الأطروحة)، تعبيرا عن موقف عدمي من المجتمع، يبحث لنفسه على الدوام عن حجج لاستعداء كل الديناميات والشرعيات الصاعدة من المجتمع.

حيث تعتبر في عمق تحليلها وحججها، المجتمع محافظا ومتخلفا عن النخب العصرية والدولة “الحداثية”، عندما يمنح أصواته إلى إسلاميين محافظين، تم تعود لتعتبره متمردا وغوغائيا، عندما يعبر عن مطالبه، وعن ذاته بواسطة الحركات الاجتماعية والاحتجاجية السلمية .

تقدم (الأطروحة) نفسها، كمساهمة موضوعية في النقاش العام، تحتفظ لنفسها بمسافة مع ما ينتجه المجتمع، لذلك فهي ترتدي جبة المثقف النقدي الذي لا يجامل الجماهير كما لا يغازل الناخبين، لكنها لا تبدي الموضوعية ذاتها كلما تعلق الأمر بالدولة، ويبدو حسها النقدي في الدرجة الصفر عندما يتعلق الأمر بسياسات رسمية، وتكاد تتحول – بكل حمولتها النقدية الكاذبة- إلى أطروحة “مقدسة” للسلطة على الدوام.

تقدم (الأطروحة) نفسها كموقف نقدي من الإسلام السياسي، بدعوى الانتماء إلى مشروع الحداثة، ثم تقدم نفسها بعد ذلك كموقف نقدي من حداثة “اليسار”، بدعوى الانتماء إلى منطق الخصوصية.

تقدم (الأطروحة) ذاتها كموقف نقدي من الاحتجاج، بدعوى الانتماء إلى ثقافة الإصلاح، ثم تقدم نفسها لاحقا كموقف نقدي من الإصلاح السياسي بدعوى التدرج وعدم جاهزية النخب.

لذلك فهي في العمق ليست سوى تعبير عن إيديولوجيا احتقار المجتمع، والتشكيك في مختلف تعبيراته، في مقابل استبطان خاطئ لفكرة تفوق السلطة، ينطلق من مقابلة مانوية جامدة ولا تاريخية، تربط الدولة بالعقل والتحديث، وتربط المجتمع بالفوضوية والتخلف.

كما كان، أمس، بإمكان الديمقراطيين انتقاد ومعارضة بنكيران، على أرضية السياسات أو الرؤية والمشروع، دون السقوط في فخ إضعافه باسم السلطوية التي تحتقر كل شرعية صاعدة من أسفل، بغض النظر عن ألوانها وهويتها. فبإمكانهم اليوم انتقاد “حراك الريف”، بلا تبجيل وتقديس، دون السقوط في فخ الدفاع عن القمع والاعتقالات والمعالجات التخوينية والأمنية.

دون ذلك، فهم مهددون بالسقوط في مستنقع (الأطروحة) سيئة الذكر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطروحة سيئة الذكر أطروحة سيئة الذكر



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بوخارست - المغرب اليوم

GMT 19:48 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

صور ماريا كاري بالحجاب وصدر مكشوف تشعل مواقع التواصل

GMT 10:07 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف علي الفجل الأسود لتطهير الكبد من السموم

GMT 07:38 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

أحدث موضة للتسريحات باستخدام دبابيس الشعر

GMT 04:52 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

صلاح محسن يتمنى عبور العالم خلا بوابة النادي الأهلي

GMT 18:55 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

أهم الفنانات الغير ناشطات على وسائل "التواصل الاجتماعي"

GMT 02:48 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

تمتع بعطلة ساحرة في جزيرة ديزني الجديدة "أوقيانوسيا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib