انتصار التحكم

انتصار التحكم!

المغرب اليوم -

انتصار التحكم

بقلم : حسن طارق

عندما أنهى عبدالإله بنكيران خطابه في مهرجان افتتاح حزب العدالة والتنمية، للحملة الانتخابية الأخيرة، لم تلتفت الصحافة كثيرا إلى حجم النشاط وهندسة “إخراجه” وبعده الجماهيري، وهو المهرجان الذي فرضت سياقات المرحلة أن يقرأ، كذلك، كاستعراض للقوة، خاصة بعد مسيرة القرن، التي جسدت أزمة خيال فادح وضعفا تنظيميا كاريكاتوريا وغباء سياسيا على قدر كبير من الاحترام.
عوضا عن ذلك، الاهتمام كان قد انصب بدرجة أكبر على قياس تردد كلمة “التحكم” داخل نص الخطاب .
ولأول مرة لم يكن الحدث “جملة صغيرة” معدة بعناية ومبثوثة داخل المتن، أو استطرادا عفويا من لحظات الارتجال والخروج عن النص التي تحضر كثيرا في أدائه الخطابي، أو رسالة سياسية واضحة .
الحدث لم يكن ما قاله بنكيران.
الحدث كان غياب “كلمة” عن الخطاب .
والكلمة لم تكن سوى “التحكم”.
بين اجتهادات الصحافة وتأويلات المتتبعين وانطباعات الرأي العام، كانت الكلمة الغائبة /الحاضرة، الغارقة في الالتباس والغموض، قد أضحت تحمل طابعا شبه سحري.
الكثيرون كانوا قد ربطوا بين الصوم المفاجئ عن الكلمة التي كانت قد تحولت إلى ما يشبه توقيعا خاصا للخطاب “البنكيراني”، وبين اللهجة التحذيرية الصارمة الواردة في بلاغ الديوان الملكي ذي الصلة بتصريحات نبيل بنعبدالله، حول (إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة، واستعمال مفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات).
أكثر من ذلك سمحت لغة البلاغ، بالوقوف على تقاطع واضح مع منطوق الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الأخيرة لعيد العرش، وهو يقف معبرا عن استغرابه، من قيام البعض (بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين).
وهو التقاطع (التناص) الذي سمح بإعادة تفسير الجهة الموجهة إليها عبارة “التصريحات المسيئة لسمعة الوطن..” الواردة في الخطاب، بل وربط مضمونها مباشرة بمفهوم التحكم.
كانت إذن، كلمة “التحكم” قد أصبحت كلمة رجيمة، وموضوع تحفظ رسمي شبه معلن، لكنها في الوقت نفسه كانت قد تحولت إلى ما يشبه رمزا (قن) سريا، في لغة التواصل بين بنكيران وبين الجمهور، رمزا قد يحضر بالغياب أو بالإحالة أو بالاستعارة، أو بمجرد استحضار مفاهيم مجاورة من شبكة الكلمات التي صنعت تواطؤا تواصليا غير مسبوق بين منتج الخطاب ومتلقيه.
قبل ذلك كانت هذه الكلمة الغامضة قد تحولت إلى عنوان بسيط يختزل خطاطة قراءة معينة للحقل السياسي، بشكل لا يبتعد كثيرا في المضمون عما كانت قد أنتجته الحركة الوطنية، ثم اليسار من مفاهيم، انطلاقا من القوة الثالثة (بلغة عابد الجابري)، وصولا إلى جيوب مقاومة التغيير (بلغة عبدالرحمان اليوسفي)، مرورا بالحزب السري (بلغة محمد اليازغي).
وهي الكلمة التي يعكس سحرها، النفوذ الإيديولوجي لأصحابها، ذلك أن إنتاج المعجم السياسي، ظل دائما مسألة ذات علاقة برهانات الهيمنة الثقافية والتفوق السياسي، خاصة عندما تفرض اللغة نفسها خارج عائلتها السياسية الأصلية، وتصبح جزءا من المشترك التواصلي.
ربما هو فيكتور هيغو من قال: “عندما تقع الثورات انتبهوا للمعاجم”.
في المغرب لم تقع ثورة. لكننا لابد من الانتباه إلى المعجم، ذلك أن الانتصارات السياسية قبل أن تكون في الانتخابات، تكون أولا في اللغة.
لذلك فانتخابات 2016، هي كذلك انتصار “التحكم”/الكلمة، والتحكم/الأسلوب التواصلي.
الأمر لا يتعلق بالانتصار، بل كذلك بالفشل. ذلك أن فشل اللغة يسبقه حتما الفشل في السياسة.
من ذلك أن حزبا ظل يلهم الحوار العمومي، بالأفكار والمفاهيم واللغة، أصابته أزمة خيال حادة، منعته من مجرد التفكير في كلمة (مجرد كلمة)، أو جملة (مجرد جملة)، ليقدمها عنوانا مكثفا لبرنامجه الانتخابي، فما كان منه إلا أن لجأ بسذاجة تواصلية مخيفة إلى أن يعوض ذلك برقم !
رقم أحمق، لا يحمل فكرة ولا معنى ولا روحا ولا إحالة على مشروع أو مرجعية أو تاريخ أو مستقبل!
كأن اللغة قد ماتت عند هذا الحزب!
كأن السياسة قد ماتت في هذا الحزب!
كأن الحزب قد مات في هذا الحزب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتصار التحكم انتصار التحكم



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib