بقلم - عبد الحميد الجماهري
في الوقت البدل الضائع، من الزمن الدستوري الحالي، قد يفتقد المتتبع قاعدة على أساسها يمكن الفرز بين القوى السياسية الموجودة في الساحة.
قبيل 2011، كانت القاعدة هي التموقع من قضية الإصلاح الدستوري، عموما، ثم الإصلاح السياسي على وجه الخصوص، وكان واضحا أن القوى العاملة، في تلك الفترة، تحدد مواقفها من هذا المطلب أو من هذه القاعدة الضرورية للفرز، بناء على ما تعتبره أولوياتها، أو، في حالات غير يسيرة، بناء على ما يشكل تخوفاتها!
وقد رأينا كيف أن الجميع، ونكاد نقول بالإجماع، لم يستشعر أية ضرورة للمطالبة بالإصلاح الدستوري …
وكأن الذي يحدد المواقف هو المواقع أو البحث عنها.
كل الأحزاب التي التقاها الاتحاد وقتها، ونحن نتحدث قبيل ليالي فبراير الساخنة، لم تر ضرورة لأي إصلاح، بل اعتبرته غير ذي بال.
أحزاب من الكتلة، التي كونت هويتها السياسية من قلب فكرة الإصلاح طوال التاريخ المعلن للصراع في البلاد، كان بعضها يعتبر بأنه« ليس في الإمكان أفضل مما هو موجود»، كما قيل وقتها.
بل اعتبرت أن المنهجية الديموقراطية، التي دافع عنها الاتحاد في 2002، تم احترامها في تعيين الأستاذ عباس الفاسي، وليس هناك أي داع للمذكرات الإصلاحية.
الحزب القوي في المعارضة، كان يعتبر بأن الأولوية لا تكمن أبدا في الإصلاح، بل هو يسانده بدون التورط فيه، فالأولوية التي تم التعبير عنها صراحة وبلا لف ولا دوران، هي التطبيع مع مركز القرار في البلاد، بل تم الاقتراح على الاتحاد أن يتولى «هذه المهمة المفضية إلى المصالحة»!
قوى أكبر، كانت حاضرة من خارج الحقل السياسي، واعتبرت بأن الإصلاح، يجب أن يعيد ترتيب الدولة ترتيبا جذريا، وظلت على هامش الحقل السياسي بدون أن تعدم مناسبات وقدرات على الفعل السياسي، من خلال المواجهات حينا ومن خلال التواجد المكثف في الفضاء العمومي حينا آخر…
الغير، لم يكن الإصلاح جزءا من هويته، اللهم إذا كان تعبيرا عن مساندة لقرار فوقي لا غير.
* عندما نجحت مسيرات 20 فبراير في تبييء مطلب الإصلاح، وخلقت الشروط العامة لرسملة الروح الإصلاحية الشاملة التي جاء بها العهد الجديد، بدأ التموقع من الإصلاح على قاعدة خطاب تاسع مارس من تلك السنة.
واتضح أن جزءا من القوى السياسية لعبت دور تخفيض سقف الإصلاح الذي رفعه الخطاب عاليا، وتفاصيل ذلك في الأدبيات السياسية والتدوينية للمرحلة.
لكن الأساس في القضية، هو أن الإصلاح الذي جاء بقرار مركزي شجاع، وتمت مناقشته في حوار وطني واسع وجامع، لم يكن لديه حامل سياسي من المغرب الحزبي ينخرط فيه بالقوة التي طرح فيها، عندما تطلب الأمر امتدادا مؤسساتيا في الحكومة..
وللتلخيص، لقد كان الإصلاح قاعدة للاستحقاقات السياسية التي تلته، وكانت النتائج المعبر عنها، قد وضعت في قاطرة المرحلة السياسية حزبا لم يكن حاملا لمشروع الإصلاح الدستوري، والقوى السياسية الأخرى، لم يكن سقفها هوالسقف نفسه الذي رفعه ملك البلاد، ووجدنا أنفسنا أمام مشروع بمعطيين:
الأحزاب التي بادرت إلى تحريك إرادة الإصلاح الدستوري وقدمت فيه مذكرات ومرافعات، ربحت الإصلاحات وخسرت الانتخابات، والأحزاب التي لم تجعل الإصلاحات (وتأمين الانتقال الديموقراطي) أولوية من أولوياتها هي التي ربحت الانتخابات…
وكان واضحا أن الحزب الذي ربح الانتخابات لم يكن حاملا لتمكين الإصلاح من السلاسة المؤسساتية ومن حياة طبيعية في الفضاء العام. وقد تابعنا كيف أن أي نقاش حول توسيع دائرة المنهجية الديموقراطية أوالتجسيد العملي لروح الإصلاح المتوافق عليه وطنيا، كانت تنعت في الكثير من الأحيان بأنها محاولات لتعكير صفو العلاقة بين هرم الدولة ورئيس الحكومة، في ابتسار رهيب، أفقر النقاش السياسي العملي..