إنه التبرهيش والسّلام

إنه التبرهيش والسّلام

المغرب اليوم -

إنه التبرهيش والسّلام

بقلم - نور الدين مفتاح

أسوأ شيء حدث خلال هذا الدخول المدرسي هو الوصول إلى تفجير المنازعة حيث إن حساسية الموضوع تتطلب توسيع رقعة المتوافق عليه. لقد تم بنجاح، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، إحياء الحرب المفتعلة بين مكونين لغويين داخل بلادنا، وهما الدارجة واللغة العربية الفصحى. وهذا بلد كما يعرف أهله متعدد المشارب والمكونات والألسن والدارجات واللغات، ولكنه يسير بنوع من التناغم الشبيه بالجوق الأندلسي الذي تجده يضم مئات من عازفي الآلات الذين يؤدون القطع الموسيقية بدون حاجة لمايسترو واقف يضبط الإيقاع. ولكننا ظللنا لعقود، قل لقرون، نجتاز أخطار التفرقة والتمزق بنوع من البركة، فهل يدوم الحال مع تقلبات الزمان وتقلص هامش المحال.

الدارجة التي يصورها بعض من قرصنها وحزّبها هي لسان المغاربة منذ قرون، وهي لغة التداول والتفاخر والإبداع وروح المجتمع، وجزء أساسي منها مبني على العربية وحواشيها مطرزة باللحن  والاستنباط والتأثر بلغات وأقوام في بلد ذي واجهتين بحريتين مفتوحتين على ثلاث قارات، إننا بلد التيارات الهوائية جغرافيا ولابد أن نكون كذلك ثقافيا وهوياتيا. وأن تكون مغربيا لا يعني أبدا أن تنحصر في التنميط: براد وجلباب وملحمة وكليب وتقوقع.

أن تكون مغربيا يعني أن تفتخر بالخصوصية، ولكن أن تعيش العالمية في جوهرها لا في قشورها.

أن تكون مغربيا صادقا هي أن تعمل على توحيد المغاربة في المدرسة أولا، لا أن تأخذ أبناءك إلى التعليم الخاص ليدرسوا بالفرنسية وتدعو إلى تدريس الدارجة لأبناء الشعب.

أن تكون مغربيا هي أن تعمل على تقوية اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي، لا أن تصدع البنيان بتفاهات البغرير وغريبة وما جاورهما.

أن تكون مغربيا هي أن تحترم الدستور أولا الذي يحمل شعار المملكة، وأن ننضبط للغاتنا الرسمية وأن نرعى بعدها اللهجات، التي تتطور بشكل مذهل تلقائيا ولا تحتاج إلا لمبدعين لالتقاط جواهرها وليس لعلماء لمعيرة ما لا يمكن أن يصبح معياريا.

أن تكون مغربيا هي ألا تكذب على الناس وتوهمهم أن الحل لأبنائهم وبناتهم هو في الخلاص من لغة عقبة بن نافع والدراسة بلغة الأم، في تجن واضح على المفهوم وعلى المغزى.

أن تكون مغربيا هي أن تطالب بتعليم جاد لا بـ «التبرهيش» وبمقامرة لم تقع في أي بلد في الدنيا، وها هو العالم اللساني عبد القادر الفاسي الفهري يقول ضمن هذا العدد إن بفرنسا 75 لهجة ولا واحدة فيها تدرس في بلاد موليير.

أليس عجيبا أن نعيش ستين سنة من فشل التعليم باعتراف الجميع، وأن يصبح المغرب مقسما إلى قسمين بين أبناء المفرنسين وأبناء المعربين، وحين تخاض واحدة من أكثر المحاولات حساسية لإصلاح المنظومة التربوية من خلال القانون الإطار للتعليم، يتسرب هذا الفيروس التلهيجي الذي لا هو درّج المقررات ولا هو أفادها، وإنما كمن يقول لأبناء الشعب "إن علامة الدار على باب الدار".

هل يعقل أنه بعد الثورة المغربية السلمية لما بعد 2011 نجد في باب التعليم أن رئيسي الحكومة عبد الإله ابن كيران وسعد الدين العثماني تصادما مع وزيريهما في التعليم من أجل هذه اللغة اللعينة للتدريس، والتي حسمت منذ عقود في الأغلبية الساحقة من دول العالم؟

لماذا نريد أن نزيد على الفشل الذريع في الأساس الذي  تبنى عليه الأمة، وهو التعليم، دواء مرّا للعامة من الناس لن يتناوله الخاصة والمحظوظون وحتى أبناء الطبقة المتوسطة الذين يمكن تسميتهم بالضحايا الناجين، لأن أولياءهم يفضلون بذل حياتهم مقابل تعليم أبنائهم في القطاع الخاص؟

أليس بخسا لعلمائنا وأساتذتنا الكبار، وهذه بلاد الجامعات الكبرى يا حسرة على زمان مضى، أن نظل نطحن في البديهيات كما تجتر الخرفان الكلأ، والواضحات واضحات من أن تدريس العامية عبث لأنها غير معيارية ولا عملية براغماتية ما دامت هذه العامية تكتسب طبيعيا، وأن التدريس بالعامية لا بأس فيه؟

إن التطرف يجر إلى التطرف، وطفيليو الدارجة اليوم يجرون إلى تطرف لغوي آخر عربوفوني قاطع مع أن المدرسة هي مجال للمعرفة والانفتاح والعلم وليس للإيديولوجيا. نحن نريد أن نتعلم العربية وأن ندرس بها ووراءها حضارة وتراثا ضخمين، وبلدان أصغر من العالم العربي تدرس بلغتها وهي مرتبة في درجات التعليم دوليا في مراتب مشرفة، ونكتفي بالعبرية كمثال، ونريد أن نتعلم ليس الفرنسية فقط ولكن الإنجليزية لأنها اللغة الأولى في العالم، والإسبانية لأنها اللغة الثانية في شمال وصحراء المملكة، واللغات الألمانية والصينية وغيرها في مناطقنا السياحية. ولا ضير إذا كانت بعض المواد العلمية تدرس بالفرنسية ما دام هذا قانونيا متوافقا عليه وبراغماتيا شريطة أن نجد لذلك الأطر التربوية المؤهلة، وألا ندخل في التغيير ببنية فئران التجارب، بحيث منذ 1989 عندما تم تقرير تدريس المواد العلمية في الإعدادي والثانوي بالعربية (وفي الجامعة بالفرنسية!!)  وأساتذة هاته المواد لم يعودوا متعودين على الفرنسية كلغة تدريس.

إنه بدون "بغرير" ولا "اغريبة" منظومة التعليم هي أسمال مرقعة، وللنجاح في الإصلاح لابد من طرح المشاكل الحقيقية لا المفتعلة، الجوهرية لا القشورية، اللهم إلا إذا كانت هناك نيّة لتصفية التعليم العمومي، فهذا موضوع آخر لابد له من كلام آخر.

لقد انتقلنا من "المغرب النافع" و"المغرب غير النافع" في عهد الاستعمار وحتى بعد  الاستقلال، إلى "الشباب النافع" و"الشباب غير النافع" كما قالت ذة. الشرايبي، الباحثة السوسيولوجية بفرنسا، والأكيد أنه مع "الضرورة البيداغوجية" للبغرير وغريبة سنعيش "التعليم النافع" و"التعليم غير النافع"، وسيكون بحر الأخير هو التعليم العمومي وجزيرة الأول هي التعليم الخاص، ولنصلح ما يلفظه البحر سنأخذ الشباب غير النافع إلى الجيش ليتعلم تمغربيت والسلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنه التبرهيش والسّلام إنه التبرهيش والسّلام



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib