غداً يمضي على رحيل نزار قباني 19 عاماً. كيف يمضي العمر؟ يا صديقي لا أنساك، وأختار من شعرك الوطني شيئاً للقرّاء.
في قصيدة «هوامش على دفتر النكسة» يقول نزار:
إذا خسرنا الحرب لا غرابة/ لأننا ندخلها/ بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة/ بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة/ لأننا ندخلها/ بمنطق الطبلة والربابة/ السر في مأساتنا/ صراخنا أضخم من أصواتنا/ وسيفنا أطول من قاماتنا.
هو رحّب بدخول منظمة فتح الساحة وقال: وبعدما قتلنا/ وبعدما صلـّوا علينا/ بعدما دفنّا/ وبعد أن تكلّست عظامنا/ وبعد أن تخشبت أقدامنا/ وبعدما اهترأنا.../ وبعدما وبعدما/ جاءت إلينا فتح/ كوردة جميلة طالعة من جراح/ كنبع ماء بارد يروي صحارى الملح/ وفجأة ثرنا على أكفاننا وقمنا...
يا صديقي نزار، رحلت ولم ترَ ما حل بفتح بعدك.
وقال في قصيدة «إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار»:
آه يا عشاق بيروت القدامى/ هل وجدتم بعد بيروت بديلا/ إن بيروت هي الأنثى التي/ تمنح الخصب وتعطينا الفصولا/ إن يمت لبنان متّم معه/ كل مَنْ يقتله كان القتيلا/ كل ما يطلبه لبنان منكم/ أن تحبوه تحبوه قليلا.
عن القدس قال:
بكيت حتى انتهت الدموع/ صليت حتى ذابت الشموع/ ركعت حتى ملّني الركوع/ سألت عن محمد/ فيكِ وعن يسوع/ يا قدس يا مدينة تفوح أنبياء/ يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء.
نزار قباني كتب عن قتل الإسرائيليين في شارع صغير يتفرع من شارع فردان قادة المقاومة كمال ناصر وكمال عدوان وأبا يوسف النجار وزوجته. وكنت شاهدت الكمالَيْن والدم يغسل جسديهما وكتبت عن الاغتيال. نزار قال:
صديقي كمال/ صديق الدفاتر والحبر والكلمات الجديدة/ أكلُّ الرصاص الذي أطلقوه عليك؟/ لقتل قصيدة/ أكلُّ الثقوب التي تركوها على شفتيك؟/ لقتل قصيدة.../ وكنا تعلمنا كيف نلغي المسافة/ بين الأديب وبين المقاتل/ وكنا تعلمنا يا صديقي/ بأن المسدس لا يستطيع اغتيال البلابل.
في قصيدة «جريمة شرف أمام المحاكم العربية» يقول نزار:
قررت يا وطني اغتيالك بالسفر/ وحجزت تذكرتي/ وودعت السنابل والجداول والشجر/ وأخذت في جيبي تصاوير الحقول/ أخذت إمضاء القمر/ وأخذت وجه حبيبتي/ وأخذت رائحة المطر/ قلبي عليك وأنت يا وطني/ تنام على حجر.
في قصيدة «ترصيع الذهب على سيف دمشقي» يقول نزار:
أتراها تحبني ميسونُ/ أم توهمت والنساء ظنونُ/ ها هي الشام بعد فرقة دهر/ أنهر سبعة وحور عين/ والسماء الزرقاء دفتر شعر/ والحروف التي عليها سنونو/ شام يا شام غيري قدر الدهر/ وقولي للدهر كن فيكون.
نزار قال في مهرجان نسائي في بغداد سنة 1979 قصيدة عنوانها «مواويل دمشقية إلى قمر بغداد»:
أيقظتني بلقيس من زرقة الفجر/ وغنّت من العراق مقاما/ أرسلت شَعرها كنهر ديالى/ أرأيتم شَعراً يقول كلاما/ كيف أنسى في الأعظمية ظبيا/ أشعل النار في دمائي وناما/ تلك بغداد بعد عشر سنين/ تلبس الماء والنجوم حِزاما/ لن يكون العراق إلا عراقا/ وهشام العظيم يبقى هشاما.
صديقي نزار، لا أنساك وإن طال الزمن.