هل لكل شاعر شيطان؟ هذا ما اعتقد العرب في الجاهلية وفي عقود قليلة تالية، ثم مالوا إلى وصف الشاعر المبدع بالفحل، ولكن كانت لهذا الوصف شروط، فالفحولة ليست قصيدة عصماء واحدة أو اثنتين، بل خمس أو أكثر.
ربما اعتبرنا اليوم شيطان الشاعر من نوع خرافات الأقدمين. مع ذلك أسجل أن العرب في الجاهلية صدّقوا أن لكل شاعر شيطاناً يوحي له، ونُقِل عنهم أن:
امرؤ القيس شيطانه عقيبة بن نوفل
طرفة بن العبد شيطانه أبو الخطار
أبو تمام شيطانه عتاب بن حبناء
البحتري شيطانه طوق بن مالك
أبو نواس شيطانه حسين الدنان
المتنبي شيطانه حارثة بن المغلّس
ما سبق هو ما سجل الشاعر الأندلسي ابن شهيد في كتابه «التوابع والزوابع». غير أن أبا زيد القرشي، مؤلف كتاب «جمهرة أشعار العرب»، أورد شياطين شعر آخرين في فصل عنهم وقال:
امرؤ القيس شيطانه لافظ بن لاحظ
النابغة الذبياني شيطانه مدرك بن راغم
وفي حين لم يسجل اسم شيطان الحطيئة، إلا أن خبراً عن الأصمعي جعل صاحبه من الجن.
أفضل بيت شعر قرأته عن شياطين الشعر كان لأبي نجم العجلي، وشهرته أنه راجز، فقد قال:
إني وكل شاعر من البشر / شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
أما حسّان بن ثابت فقال:
ولي صاحب من بني الشيعبان / فطوراً أقول وطوراً هوه
والشيعبان اسم للشيطان.
الأعشى ميمون بن قيس كان يزعم أن شيطانه مسحل، وقال عنه:
دعوت خليلي مسحلاً ودعوا له / جهنار جدعاً للهجين المذمم
الفرزدق تجاوز شياطين الشعر ورأى أن الذي يوحي إليه هو إبليس وابنه وقال:
وأن ابن إبليس وإبليس البنا / لهم بعذاب الناس كل غلام
هما نفثا في فِيَّ من فَمَوَيهما / على النابح العاوي أشد رجام
ونافس جرير الفرزدق في رأيه وقال:
إني ليلقي علي الشعر مكتهل / من الشياطين إبليس الأباليس
ولعل بشار بن برد كان نسيج وحده بين الشعراء، فقد كان يعتقد أنه ليس في حاجة إلى ملهم لأنه أقوى وحده، وهو سمّى الشيطان الذي عرض أن يساعده شنقناق وقال:
دعاني شنقناق إلى خلف بكرة / فقلت اتركني فالتفرد أحمد
في المقابل، الإغريق لم يتحدثوا عن شياطين الشعر، وإنما عن ربّة الشعر، وأول بيت من الشعر في إلياذة هوميروس التي ترجمها سليمان البستاني هو:
ربة الشعر عن أخيل بن فيلا / حدثينا واروي عناء طويلا
أما الإغريق القدماء فكان عندهم حوريات أو ملهمات للشعر هن كليو للتاريخ، وملبوميني للتراجيديا، وثاليا للكوميديا (اسم ابنة زميلتنا راغدة درغام)، وكاليوبي للملحمات، وأورانيا لعلم الفلك، ويوتيربي للموسيقى، وتيربسيكوري للرقص والشعر، وبوليهيمنيا للحكي (من دون تحريك الشفتين) والشعر المقدس، وإيراتو لشعر الحب.
الشاعرة الأندلسية نزهون أغضبها أن يكون للشاعر شيطان أو يكون فحلاً، ولا شيء للشاعرات فقالت:
جازيت الشعر بالشعر / فقل لعمري من أشعرْ
إن كنت في الخلق أنثى / فإن شعري مذكّرْ