عندي اشتراك منذ سنوات في مطبوعة «نيويورك ريفيو أوف بوكس»، مجلة عرض الكتب. كذلك عندي اشتراك في «لندن ريفيو أوف بوكس»، والمجلتان من أرقى مستوى ممكن، فأقرأ فيهما عن الكتب الصادرة بالإنكليزية، وقد أطلب ما أجد مفيداً لعملي عبر «أمازون» أو غيرها.
وجدت في العدد الأخير في كل من المجلتين تحقيقاً من النوع الذي أبحث عنه كل يوم. في المجلة النيويوركية كتب عن الرعب في سورية تشارلز غلاس، وهو صحافي عمل معنا في بيروت، وعمل بعد ذلك لبعض أفضل الميديا البريطانية والأميركية، كما كتبت في المجلة اللندنية عن معاناة الطلاب، الأستاذة في أكسفورد كرمة نابلسي، ويبدو من اسمها أنها من أصل فلسطيني.
أبدأ بغلاس الذي كتب يقول إنه عاد إلى دمشق قرب أواسط آذار (مارس) الماضي بعد غياب أربعة أشهر، ويتحدث عما شاهد من خراب، ثم ينقل عن صديق محلي له كان يريد أن يرى نهاية النظام مع بدء المواجهات في 2011 والآن غلبه اليأس ولم يعد يريد شيئاً سوى أن ينتهي القتال، بغض النظر عمّن سيفوز أو يخسر.
غلاس يتحدث عن حوالى 500 ألف قتيل، وخمسة ملايين لاجئ خارج سورية وستة ملايين مهجَّر داخل سورية. هو يشير إلى استعادة النظام السيطرة على حلب في آخر شهر من السنة الماضية بمساعدة روسيا، ويقول إن 36 ألف معارض نقلوا مع عائلاتهم من حلب إلى محافظة إدلب تحت إشراف الروس. حلب التي عرفتها العمر كله من أقدم حواضر العالم، وهي ودمشق مدينتان جميلتان من نوع نادر.
غرب حلب كان تحت سيطرة النظام ولم يتأثر كثيراً، وعندما بدأ نزوح المواطنين من شرق حلب قيل لهم أن يتركوا كل شيء وراءهم. هم عادوا ووجدوا بيوتهم منهوبة، والأرجح أن جنود الحكومة كانوا اللصوص.
الكاتب يرى أن تأييد إيران وحزب الله كان أساسياً في مساعدة النظام على الصمود، إلا أنه يضيف أن النظام كان ذكياً بإبقاء إيران وحليفها حزب الله خارج حلب، فالغالبية في المدينة من المسلمين السنّة وهم يكرهون النظام بقدر ما يكره السنّة من سكان الموصل المسلمين الشيعة الذين «أنقذوهم» من داعش.
المقال حافل بمعلومات مهمة من شاهد عيان أثق بمهنيته وصدقه من طريق المعرفة الشخصية.
في المجلة اللندنية تكتب كرمة نابلسي عمّا يعاني الطلاب بسبب برنامج «المنع» الذي صدر عام 2003 والمقصود منع الطلاب من أن يجندوا في صفوف الإرهاب، ومثله قانون الأمن ومكافحة الإرهاب الصادر عام 2015.
أثق بصدق الكاتبة كرمة نابلسي، فهي أستاذة في جامعة أكسفورد، تعمل مديرة دراسات الطلاب استعداداً للتخرج من دائرة السياسة والعلاقات الدولية. هي تعطي أمثلة عدة عمّا يواجه الطلاب والسلطات تحاول منع الإرهاب.
الأمثلة كثيرة مثل طالبة أرادت عقد ندوة عن حرية النساء فقيل لها إن عليها أولاً أن تخضع لتقدير الخطر في فكرها. هي رفضت وضغطت عليها سلطات الجامعة لاختبارها. طالبة أخرى حاولت حجز غرفة ليلقي فيها خطيب كلمة بمناسبة «أسبوع التوعية بالإسلام». هي أرسِلت إلى عميد كليتها الذي أمطرها أسئلة بينها عن نوع الإسلام الذي تروّج له، وقالت إنها شعرت بأنها غريبة داخل جامعتها.
برنامج المنع عُدِّل عام 2008 و2011 و2015، ويضم أربعة برامج، الأول «المتابعة» لمنع هجمات إرهابية، والثاني «امنع» حتى لا يصبح الطلاب إرهابيين، والثالث «احمِ» لتعزيز الحماية من الإرهاب، والرابع «استعد» لتخفيف نتائج عمل إرهابي. الكاتبة ذكية، وقد حصلت على معلومات مهمة من طريق قانون حرية المعلومات.
المقالان يستحقان الترجمة إلى العربية ليقرأهما أكبر عدد ممكن من الناس.