قال ايليا أبو ماضي في قصيدة له عنوانها «لبنان»:
اثنان أعيا الدهر أن يبليهما / لبنان والأمل الذي لذويه
نشتاقه والصيف فوق هضابه / ونحبه والثلج في واديه
واذا تمدّ له ذكاء حبالها / بقلائد العقيان تستغويه
ذكاء هي الشمس وأكمل مع الشاعر:
واذا الصبايا في الحقول كزهرها / يضحكن ضحكا لا تكلف فيه
هن اللواتي قد خلقن لي الهوى / وسقينني السحر الذي أسقيه
هذا الذي صان الشباب من البلى / وأبى على الأيام أن تطويه
الشاعر وهو مغترب في الولايات المتحدة يكمل قائلاً:
ولربما جبل أشبّهه به / مسترسلاً مع روعة التشبيه
فأقول يحكيه وأعلم أنه / مهما سما هيهات أن يحكيه
يا لذة مكذوبة يلهو بها / قلبي ويعرف أنها تؤذيه
ثم يضيف ايليا أبو ماضي:
واذا الحقائق أحرجت صدر الفتى / ألقى مقالده الى التمويه
وطني ستبقى الأرض عندي كلها / حتى أعود اليه أرض التيه
سألوا الجمال فقال هذا هيكلي / والشعر قال بنيت عرشي فيه
بعد ذلك هناك:
الأرض تستجدي الخضمّ مياهه / وكنوزه والبحر يستجديه
يمسي ويصبح وهو منطرح على / أقدامه طمعا بما يحويه
أعطاه بعض وقاره حتى اذا / استجداه ثانية سخا ببنيه
ثم يخاطب الشاعر وطنه قائلاً:
لبنان صن كنز العزائم واقتصد / أخشى مع الاسراف أن تفنيه
ويقول الشاعر بعد ذلك ما يصح عن لبنان اليوم:
غيري يراه سياسة وطوائفا / ويظل يزعم أنه رائيه
ويروح من اشفاقه يبكي له / لبنان أنت أحق أن تبكيه
لا يسفر الحسن النزيه لناظر / ما دام منه الطرف غير نزيه
الشاعر يكمل قائلاً:
قل للألى رفعوا التخوم لأرضه / ضيّقتم الدنيا على أهليه
ولمن يقولون الفرنج حماته / الله قبل سيوفكم حاميه
ويختتم ايليا أبو ماضي قصيدته بهذه الأبيات:
يا صاحبي يهنيك أنه في غد / ستعانق الأحباب في ناديه
وتلذ بالأرواح تعبق بالشذى / وتهزك الأنغام من شاديه
إن حدثوك عن النعيم فأطنبوا / فاشتقته لا تنسَ أنك فيه
للشاعر قصائد كثيرة في لبنان ومصر وسورية وغيرها. وأرى أنه يعبر عن شعور كثيرين مثلي قضوا جلّ عمرهم في بلاد الآخرين. أختار له أيضاً من قصيدة بعنوان «أمنية مهاجر»:
جعت والخبز وفير في وطابي / والسنا حولي وروحي في ضباب
وشربت الماء عذبا سائغا / وكأني لم أذق غير سراب
حيرة ليس لها مِثلٌ سوى / حيرة الزورق في طاغي العباب
يكمل الشاعر قائلاً:
ليس بي داء ولكني امرؤ / لست في أرضي ولا بين صحابي
مرت الأعوام تتلو بعضها / للورى ضحكي ولي وحدي اكتئابي
كلما استولدتُ نفسي أملا / مدت الدنيا له كفّ اغتصاب
رب هبني لبلادي عودة / وليكن للغير في الأخرى ثوابي
ايليا أبو ماضي يخاطب بعد ذلك المهاجرين من الشباب واختصر:
أيها الآتون من ذاك الحمى / يا دعاة الخير يا رمز الشباب
كم هششتم وهششنا للمنى / وبكيتم وبكينا في مصاب
ويكمل الشاعر قائلاً:
أيها السائل عني من أنا / أنا كالشمس الى الشرق انتسابي
أنا في نيويورك بالجسم وبالـ / روح في الشرق على تلك الهضاب
أنا في الغوطة زهر وندى / أنا في لبنان نجوى وتصابي
كلنا يقول ما قال ايليا أبو ماضي عن الوطن، وله فيه بضع عشرة قصيدة بعضها يبكي الصخر، وكلنا يريد العودة أو يتمناها، ويصلي ليرى المواطنون جميعاً أياماً أفضل عرفنا مثلها صغاراً.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع