بقلم - جهاد الخازن
رئيسة وزراء بريطانيا السيدة تيريزا ماي ذهبت إلى بروكسيل مرة أخرى الأسبوع الماضي واجتمعت بقادة الاتحاد الأوروبي الذين رحبوا بها وصفقوا لها في نهاية كلمتها القصيرة، وأهم من هذا أنهم وافقوا في اليوم التالي على الاتفاق الأول مع المفاوض الأوروبي ميشال بارنييه للخروج من الاتحاد.
نص الاتفاق موجود، وهو بداية فأهم منه الاتفاق التجاري الذي تريده بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد الخروج منه. هناك دول تؤيد موقف السيدة ماي وهناك دول تطمح إلى أن ترث عاصمتها أو مدينة فيها دور بريطانيا في السوق المالية العالمية، فالبورصة الأميركية والبورصة الإنكليزية أهم المراجع المالية في العالم كله.
البريطانيون يتحدثون عن اتفاق تجاري، ويرون أن المفاوضات عليه يجب أن تتبع الاتفاق الأول وأن تنتهي في سنة. أركان الاتحاد يريدون بدء المفاوضات خلال ثلاثة أشهر من السنة الجديدة، أي قرب نهاية آذار (مارس)، إلا أنهم يتحدثون أيضاً عن اتفاق أمني ملازم لا يذكره الجانب البريطاني إلا في ما ندر.
السيدة ماي، التي قلت لها في الأمم المتحدة إنني أفضلها على توني بلير وديفيد كامرون، حققت نصراً بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على «وثيقة الطلاق»، أي الانسحاب من الاتحاد في الموعد المضروب وهو 29/3/2019، فلم تمضِ ثلاثة أيام حتى خسرت مواجهة في البرلمان عندما صوّت 309 أعضاء، بينهم 12 محافظاً، مقابل 305 أعضاء على تعديل يعطي البرلمان حق التصويت على وثيقة الانسحاب النهائية.
المحافظون المتمردون قادهم النائب دومنيك غريف، وهو مدعٍ عام سابق أصرّ على أن للبرلمان حق قبول الاتفاق النهائي مع الاتحاد الأوروبي أو رفضه، بدل ترك هذا الحق في أيدي الوزراء. والنتيجة أن النواب المحافظين المتمردين صوتوا مع نواب حزب العمال والحزب الوطني الاسكوتلندي والليبراليين الديموقراطيين ضد حزبهم ورئيسته.
ربما بدا ما سبق نوع من «هنات هينات»، بالمقارنة بالمفاوضات على الاتفاق التجاري. الوزير البريطاني المسؤول عن الانسحاب ديفيد ديفيس يصرّ على أن هيكل الاتفاق يجب أن يكتمل خلال سنة، وقد رجت الحكومة البريطانية المفاوضين من الاتحاد الأوروبي عدم الانتظار ثلاثة أشهر لبدء المفاوضات الجديدة. غير أن ميشال بارنييه قال إن فريقه في حاجة إلى ثلاثة أشهر لوضع أسس الدخول في المرحلة التالية.
لعل دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، عبّر عن صعوبة الوضع في شكل أفضل من الآخرين، فهو قال إن الانفصال صعب، لكن الانفصال ثم عقد اتفاق أصعب كثيراً.
اتفاق الأسبوع الماضي يجعل نفقات الطلاق المفروضة على بريطانيا في حدود 40 بليون جنيه، بعد أن طُرِحت أرقام خيالية وصلت إلى مئة بليون جنيه. الاتفاق يضمن بقاء الأوروبيين في بريطانيا للإقامة أو العمل، وعددهم حوالى ثلاثة ملايين، وبقاء البريطانيين المقيمين في دول الاتحاد. محكمة العدل الأوروبية سيكون لها حق الإشراف على أوضاع الأوروبيين المقيمين في بريطانيا حتى سنة 2029، وستبقى بريطانيا في السوق الأوروبية والاتحاد الجمركي حتى سنة 2021.
بريطانيا تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي ثم البقاء فيه عبر الاتفاق التجاري، لكنّ المفاوضين الأوروبيين قالوا إنهم لا يستطيعون أن يعطوا بريطانيا امتيازات لم تُمنَح لدول أخرى خارج الاتحاد عقدت اتفاقات معه، فلا معاملة خاصة لبريطانيا بعد ترك الاتحاد.
المهم الآن أن قادة الاتحاد الأوروبي وافقوا على اتفاق ماي وبارنيـــيه، ورئيــس المجـلس الأوروبي دونالد تاسك كتب تغريدة عن الاتفاق الذي نصّ على أن تقبل بريطانيا قوانين الاتحاد، بما في ذلك سلطة محكمة العدل الأوروبية خلال الفترة الانتقالية التي ستستمر سنتين.