بقلم - لمرابط مبارك
وأنا أكتب هذه السطور علمت أن المحكمة الابتدائية بمدينة الحسيمة أدانت الصحافي حميد المهداوي، مدير ورئيس تحرير موقع “بديل” بالسجن مدة ثلاثة أشهر نافذة، مع غرامة مالية قدرها 20 ألف درهم.
وذلك بعد محاكمة استمرت لأكثر من 15 ساعة، توبع فيها حميد المهداوي بتهمة “تحريض أشخاص على ارتكاب جنح بواسطة الخطب والصياح في مكان عمومي”، وذلك بعدما برأته المحكمة من جنحة المساهمة في تنظيم مظاهرة غير مرخص لها!
الصحافي حميد المهداوي من الصحافيين القلائل، الذي تابع أحداث الريف بالتعليق والرأي والتحليل ولم يخف تعاطفه الكبير مع حراك الريف وساهم من خلال فيديوهات عديدة، لقيت إقبالا كبيرا، في التعريف بمطالب الحراك ونقد المقاربة الأمنية المعتمدة، وتوجيه اللوم الحاد إلى العديد من الجهات التي اعتبرها مسؤولة عن تأجيج حراك الريف ومحاولة تشويه مطالبه المشروعة.
تم اعتقال المهداوي يوم 20 يوليوز من قلب مدينة الحسيمة، وذلك بتهمة “تحريضه أشخاصا على المشاركة في مظاهرة غير مرخص لها”!!
وهذا أمر غريب، إذ كيف يمكن اعتقال شخص وسط جمهور خرج أصلا من أجل التظاهر ووقف وسط ساحة محمد السادس متحديا قرار منع المسيرة، بتهمة تحريض الجمهور نفسه الذي لا يحتاج إلى تحريض من المهداوي ولا من غيره، لأن المقاربة المعتمدة تكفلت بذلك نيابة عن جميع أصحاب المصلحة في بقاء الريف مشتعلا، ووفرت حاضنة شعبية لا تخطئها العين في الحسيمة..
من المستغرب فعلا أن نقرأ بلاغا صادرا عن الوكيل العام للملك يقول بالحرف: “إن النيابة العامة أشعرت، من طرف مصالح الشرطة القضائية، بواقعة قيام المسمى حميد المهداوي بإلقاء كلمة بساحة محمد السادس وسط مجموعة من الناس، يحرضهم من خلالها على الخروج للتظاهر، رغم قرار المنع الصادر عن السلطات المختصة..”
لو تم اعتقال المهداوي يوم 19 يوليوز، وهو يحرض الناس للخروج من أجل التظاهر ضدا على قرار المنع، الذي أصدرته سلطات الداخلية في حق المسيرة المزمع تنظيمها يوم 20 يوليوز، لكان بالإمكان تصديق هذه الرواية.
أما وقد تم اعتقال المعني بالأمر وسط مجموعة من الناس الذين خرجوا من منازلهم وتحدوا المتاريس و”المعابر” وجاؤوا من جماعات مجاورة، بعضهم جاء مشيا عبر الجبال وبعضهم تحدى مراكز التفتيش الأمنية ودخل إلى الحسيمة عن طريق البحر، فبالتأكيد أن غرض هؤلاء الناس لم يكن هو القيام بنزهة وسط الحسيمة يوم 20 يوليوز، ولم يكونوا محتاجين لمن يحرضهم من أجل الخروج للتظاهر العلني ومواجهة قرار المنع بالشعارات والاحتجاجات..
ولذلك، فإن مثل هذه البلاغات تشعر المواطن بأن ذكاءه لا يستحق الاحترام، وتجعله يتأكد بأن المقاربة المعتمدة هي مقاربة انتقامية لتصفية حسابات جهات معينة مع الأصوات المزعجة، وبأن شعار استقلالية القضاء هو طموح بعيد المنال في بنية سلطوية لا فصل فيها بين السلط بشكل حقيقي، وبأن سياسة الهروب إلى الأمام والقفز على الواقع وعدم امتلاك الشجاعة الأدبية لقراءة مفرداته بشكل موضوعي، هي السياسة المعتمدة في انتظار كسر إرادة المحتجين التي لا تزيد إلا صمودا وإصرارا..
أختلف مع المهداوي في أسلوبه وفِي طريقة ممارسته للمهنة، لكن لا أملك إلا أن أعبر عن تضامني الكامل معه في محنته.. وأقول بصوت مرتفع: أطلقوا سراح المهداوي.
أُلقي القبض على الصحافي حميد المهداوي، يوم “الخميس الأسود”، على خلفية احتجاجات 20 يوليوز بمدينة الحسيمة، بتهمة تحريضه لأشخاص على المشاركة في مظاهرة غير مرخص لها، وبناء على ذلك أمر وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالحسيمة بفتح بحث مع المعني بالأمر، بسبب الاشتباه في ارتكابه لأفعال مخالفة للقانون، تمثلت بالأساس في تحريضه لأشخاص على ارتكاب جنح بواسطة الخطب والصياح في الأماكن العمومية، ودعوتهم إلى المشاركة في مظاهرة بعد منعها، والإسهام في تنظيم ذلك.