عن رجل عظيم اسمه جورج بوش الأب

عن رجل عظيم اسمه جورج بوش الأب

المغرب اليوم -

عن رجل عظيم اسمه جورج بوش الأب

بقلم - خير الله خير الله

في كلّ ما فعله بعد الاجتياح العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990، أظهر جورج بوش الأب صفات قيادية وحكمة واستيعابا أميركيا لا سابق له للوضع في الشرق الأوسط، ولما يدور في العالم.

الإنجاز الأكبر لبوش الأب يظلّ تحرير الكويت
في عهده، أُعلنَ رسميا عن نهاية الاتحاد السوفياتي. تعاطى مع أحد أهمّ الأحداث التي شهدها القرن العشرون بكلّ رقيّ. كان في مستوى الحدث وجعل الولايات المتحدة، التي تحوّلت إلى القوة العظمى الوحيدة في العالم، تتعاطى مع سقوط الخصم الأوّل لها وتتويج انتصارها في الحرب الباردة بشكل لائق بعيدا كلّ البعد عن الشماتة. هذه تصرفات لا يُقْدم عليها سوى الكبار من طينة جورج بوش الأب أحد أعظم الرؤساء الأميركيين.

كان الإعلان الرسمي عن انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع العام 1992 بعدما شارك جورج بوش الأب، مع ميخائيل غورباتشوف، في رعاية مؤتمر مدريد الذي شكل في تشرين الأول- أكتوبر من العام 1991 إحدى المحاولات الجدية القليلة لإيجاد تسوية في الشرق الأوسط.

حرص بوش الأب الذي توفّى قبل أيام عن أربعة وتسعين عاما على إشراك الاتحاد السوفياتي برئاسة مؤتمر مدريد، حفاظا على ماء الوجه لغورباتشوف. فعل ذلك على الرغم من معرفته التامة بأن القوّة العظمى الأخرى في هذا العالم انهارت عمليا وذلك في اليوم الذي انهار فيه جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989. كان رئيسا أميركيا متميّزا. كان يتمتع بخبرة طويلة في السياسة الخارجية ومعرفة العالم بعدما شغل مناصب مهمّة عدّة قبل دخوله البيت الأبيض مطلع العام 1989. كان سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ثمّ سفيرا في الصين ومديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي. آي. إي” قبل أن يصبح نائبا للرئيس لمدة ثماني سنوات في عهد الرئيس رونالد ريغان بين 1981 و1989.

أمضى جورج بوش الأب أربع سنوات رئيسا. لم يستطع الحصول على ولاية ثانية لأسباب عدّة من بينها تراجع الاقتصاد الأميركي في السنة الأخيرة من عهده، واضطراره إلى رفع الضرائب بعدما كان وعد في أثناء حملته الانتخابية بعدم اللجوء إلى ذلك.

لكنّ الإنجاز الأكبر لبوش الأب يظلّ تحرير الكويت في شباط – فبراير 1991 وامتناعه عن إصدار أمر إلى الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي بالذهاب إلى بغداد لإسقاط نظام صدّام حسين.

كان جورج بوش الأب ينتمي إلى مجموعة صغيرة من الرؤساء الأميركيين الذين استطاعوا لعب دور في تغيير العالم. لا يمكن مقارنته إلا برؤساء من طينة دوايت ايزنهاور الذي أجبر بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب من الأراضي المصرية في أعقاب حرب السويس في العام 1956. أراد ايزنهاور إفهام بريطانيا وفرنسا وإسرائيل أنه لم يعد هناك سوى قائد واحد للمعسكر الغربي في العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة. أراد أيضا تذكير بريطانيا وفرنسا أن الفضل في انتصار الحلفاء على ألمانيا في تلك الحرب يعود، أوّلا وأخيرا، إلى الولايات المتحدة وأنّه لا يحقّ لهما خوض حروب من خلف ظهرها بالتفاهم مع إسرائيل أو غير إسرائيل.

في كلّ ما فعله بعد الاجتياح العراقي للكويت في الثاني من آب – أغسطس 1990، أظهر جورج بوش الأب صفات قيادية وحكمة واستيعابا أميركيا لا سابق له للوضع في الشرق الأوسط خصوصا، ولما يدور في العالم عموما. أصرّ على أن يكون تحرير الكويت بفضل تحالف دولي يحظى بتغطية الأمم المتحدة. التزم بالقانون الدولي بحرفيته رافضا أي مغامرات من أيّ نوع، في وقت كانت الولايات المتحدة تمتلك هامشا للمناورة لا سابق له في التاريخ الحديث في غياب أي منافس لها، أو معترض على سياساتها في الساحة العالمية. عرف أن مهمّة التحالف كانت تقضي بالتوقف عند حدود الكويت وإعادتها إلى أهلها. أدرك أن الذهاب إلى صدّام حسين في بغداد، على الرغم من كلّ ما ارتكبه من فظاعات، سيعني انهيارا كاملا للعراق وللتوازن الإقليمي الذي لن تستفيد منه إلا إيران. لم يمنع ذلك إدارة بوش الأب من وضع حدود لما يستطيع النظام العراقي عمله عندما لعبت إدارته دورا في إقامة منطقتي حظر جوي في شمال العراق وجنوبه. كانت منطقة الحظر الجوي في الشمال وراء حصول الأكراد على نوع من الاستقلال في إطار الكيان العراقي.

كان على إيران أن تنتظر اثني عشر عاما لتجد من يقدّم لها العراق على صحن من فضّة. من فعل ذلك في العام 2003، كان جورج بوش الابن الذي تحوّل انتصاره في السباق الرئاسي ودخوله البيت الأبيض بداية السنة 2001 إلى كابوس ما زالت المنطقة كلّها تعاني من تأثيراته. على خلاف والده، لم تكن لدى بوش الابن أي رؤية إستراتيجية واضحة للعالم تنمّ عن وجود مقدار من الحكمة يطبع تصرفاته، خصوصا بعدما ذهب إلى العراق قبل الانتهاء من أفغانستان وربطه بين صدّام حسين وأسامة بن لادن، وهو ربط لا أساس له.

يفتقد العالم في هذه الأيام جورج بوش الأب وفريق عمله، الذي ضم وزير الخارجية جيمس بايكر ومستشار الأمن القومي برنت سكاوكروفت، أكثر من أيّ وقت. يفتقد إدارة كانت تذكّر بإدارة ايزنهاور الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب من سيناء في العام 1956 وأكد أن المغامرات العسكرية لا تتم من دون إذن أميركي. ما لا بدّ من تذكّره هذه الأيّام أنّ إدارة بوش الأب منعت إسرائيل من أي تدخل في حرب تحرير الكويت، حتّى بعدما ارتكب صدّام حسين حماقة إطلاق صواريخ في اتجاه الضفّة الغربية.

قبل تحرير الكويت وفي أثناء حرب التحرير، أجبرت إدارة بوش الأب إسرائيل على قبول بطاريات صواريخ “باتريوت” في أراضيها تديرها طواقم أميركية. كان ذلك حدثا في حدّ ذاته، نظرا إلى أن الإسرائيليين كانوا يرفضون، دائما، أيّ وجود لقوات عسكرية أجنبية تدافع عنهم. ما فعله بوش الأب، وربما دفع ثمنه غاليا في مرحلة الترشح من أجل ولاية ثانية، تمثّل في جرّ إسرائيل جرّا إلى مؤتمر مدريد للسلام، استنادا إلى قرار مجلس الأمن الرقم 242 المبني على مبدأ الأرض في مقابل السلام.

كانت إدارة بوش الأب آخر إدارة أميركية تتصرّف من منطلق أميركي بحت، من منطلق أن الولايات المتحدة تمتلك مبادئ عظيمة لا تستطيع الخروج عنها. كلّ ما حصل بعد فشل الرجل في العودة إلى البيت الأبيض وخسارته أمام بيل كلينتون هو دخول في مرحلة الإدارات الأميركية ذات المواقف الرمادية التي تشبه باراك أوباما، أو التي لا تعرف الكثير عن المنطقة والعالم باستثناء إدارة دونالد ترامب. صحيح أن لا مجال لأي مقارنة بين خبرة بوش الأب في العالم ورجل الأعمال الذي اسمه دونالد ترامب، لكنّ الصحيح أيضا أنّ ترامب لم يتردّد في تحديد سياسة واضحة تجاه إيران والخطر الذي يمثّله مشروعها التوسّعي.

هل يصلح دونالد ترامب قبل انتهاء ولايته الأولى ما أفسده بوش الابن الذي ارتكب جريمة احتلال العراق رافضا أن يتعلّم شيئا من حكمة والده، وما كان يمثله ويجسّده على الصعيد الأخلاقي أوّلا؟ قال بوش الأب في تفسيره السبب الذي دفعه إلى تفادي ملاحقة صدّام حسين وجيشه داخل الأراضي العراقية ما معناه أن الولايات المتحدة أخذت على عاتقها تحرير الكويت، لكنها ترفض طعن جيش من الخلف خلال عملية انسحاب له.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن رجل عظيم اسمه جورج بوش الأب عن رجل عظيم اسمه جورج بوش الأب



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib