الانتخابات اللبنانية والمجداف المكسور

الانتخابات اللبنانية والمجداف المكسور

المغرب اليوم -

الانتخابات اللبنانية والمجداف المكسور

أمير طاهري
بقلم : أمير طاهري

يبدو في حكم المؤكد أن الانتخابات العامة اللبنانية ستستحوذ على اهتمام واسع، لكن ما الذي تعنيه هذه الانتخابات؟
هل هي خطوة للخروج من متاهة البؤس والرعب التي تَحمّلها اللبنانيون لسنوات أم خطوة نحو التعميق فيها؟
من جهتها، تنظر وسائل الإعلام في طهران إلى الانتخابات اللبنانية بوصفها «استفتاءً على المقاومة»، وتتوقع تأييداً ساحقاً للدور الذي رسمه «المرشد الأعلى» للجمهورية الإسلامية علي خامنئي للبنان، وحاول فرضه من خلال جماعة «حزب الله» وتحالف بينها وبين فصيل ماروني بقيادة الرئيس ميشال عون.
وسعياً وراء الفوز في ذلك الاستفتاء، أصدرت طهران الشهر الماضي شيكاً بقيمة 25 مليون دولار «مساعدة إضافية» لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله.
وجرى جمع المزيد من الأموال من خلال عدد من الحفلات الموسيقية التي نظّمها ملالي الجمهورية الإسلامية، ودعوا إليها كذلك «المؤمنين» كي يفتشوا في جيوبهم عن أموال لمساعدة «حزب الله» وحلفائه داخل جميع المجتمعات اللبنانية على تحقيق «فتح مبين». وجرى تصوير نصر الله بوصفه نسخة كاريكاتيرية لخامنئي الذي هو نفسه صورة كاريكاتيرية من الراحل الخميني.
في المقابل، يأمل نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء، أن تقنع الانتخابات صندوق النقد الدولي بالتوقيع على شيكه الموعود بقيمة 5 مليارات دولار في صورة «مساعدات طارئة». من جهته، يحلم الرئيس عون، وهو نفسه أقرب لصورة كاريكاتورية للجنرال ديغول لكن في حجم أصغر، بتأسيس عائلة حاكمة من خلال صهره (جبران باسيل) المتحمس بدعم من طهران.
ويتحدث بعض المتفائلين، بمن فيهم عدد قليل من المبتدئين الذين دخلوا حفرة السياسة كمرشحين، عن «فرص جديدة» من شأنها أن تسمح للبنان بإعادة تصميم اقتصاده من طريق وضع بيروت تحت إدارة دولية، وتحويل لبنان إلى مركز نقل وتجارة إقليمي من خلال بناء خط سكة حديد بين بيروت ووادي البقاع، وبعد الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سيصبح باستطاعة لبنان العودة إلى الأيام الخوالي عندما كان لبنان ذو المساحة الضئيلة نقطة جذبٍ للاستثمارات الإقليمية والدولية.
ومع ذلك، فإن الكثير من المحللين يرفضون الأمر برمّته، بوصفه ممارسة عبثية ستعمّق المتاهة التي يوجد بها لبنان وتُبقيه تحت قيادة ذات الأشباح التي أغرقت أكثر من 70% من اللبنانيين في براثن الفقر. بعبارة أخرى، ستتكرر الأحداث نفسها داخل البلاد إلى ما لا نهاية.
في الواقع، نحن على يقين من أننا سنجد أنفسنا أمام الشخصيات نفسها. على سبيل المثال، من المؤكد أن نبيه بري الذي يشغل منصب رئيس مجلس النواب منذ 30 عاماً، سيعود إلى مقعده.
كما سيحتفظ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بدوره المألوف الأشبه بدوارة الرياح التي تكشف اتجاه الريح، في الوقت الذي يواصل المجتمع السني دوامة الانحدار في براثن النفوذ السياسي والسلطة.
وعليه، هل ينبغي رفض الانتخابات برمّتها كما يفعل المحللون المذكورون أعلاه؟
في الواقع، من المحتمل أن يتضح وهمُ شيكِ صندوق النقد الدولي، مثلما حدث مع ورقة الدفع أو الكمبيالة البالغ قيمتها 11 مليار دولار عام 2018، خصوصاً أن تشكيل حكومة جديدة من المحتمل أن يستغرق وقتاً أطول. والاحتمال الأكبر أن المشروعات الكبرى الخيالية، مثل إحياء ميناء بيروت وبناء مركز للسكك الحديدية ورفع بنك لبنان من أجهزة التنفس الصناعي، ربما لا تتجاوز جلسات الدردشة بعد مآدب العشاء.
الحقيقة أن مشكلة لبنان في جوهرها جيوسياسية، بمعنى أن أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة ينظرون إلى البلد بوصفه إما مخبأ حصين وإما منطقة جليدية تتفوق فيها مصالح قوى خارجية على مصالح الدولة الوطنية.
والأسوأ من ذلك أن أولئك الذين يمارسون السلطة أثبتوا افتقارهم إلى الكفاءة على نحو كامل، ناهيك بفسادهم، لما يقرب من عقدين من الزمن. كما أثبت «حزب الله»، الذي يدّعي حق النقض في جميع التعيينات والقضايا الرئيسية، عجزه عن ضمان الأمن حتى داخل قاعدة دعمه الرئيسية في جنوب بيروت والتي يطلق عليها الآن اسم «الغرب الشيعي المتوحش»، حيث حتى السياح الإيرانيون النادرون ينصحون بعدم المغامرة بالدخول إليها من دون توافر «الحماية المناسبة» لهم.
وإلى جانب مشكلة لبنان الجيوسياسية، علينا أن نضيف السياسات الممنهجة لتقويض المؤسسات التي نفّذها «حزب الله» على مدى عقود. ويعني هذا أن جميع مؤسسات الدولة العادية قد تحولت إلى قذائف جوفاء، في الوقت الذي تتركز عملية صنع القرار الحقيقي في مكتب خامنئي في طهران.
وما يزيد الأمور تعقيداً، أن لدينا الآن بشار الأسد، حاكم دمشق العنيد الملطخ بالدماء، والذي يسعى إلى العودة إلى الساحة اللبنانية، وإن كان ذلك كأداة في أيدي ملالي إيران. وفي زيارة خاطفة له لطهران، حاول الأسد الحصول على موافقة خامنئي بتولي واحد من حلفاء السوريين السابقين كرئيس جديد للبنان.
هل الاحتمالات تبدو قاتمة؟
نعم بالفعل، ومع ذلك، حتى الانتخابات الرديئة تبدو أقل سوءاً من عدم إجراء انتخابات من الأساس. إن حقيقة دخول الكثير من الوجوه الجديدة، بما في ذلك النساء والناشطون السياسيون الشباب الجدد، إلى الحلبة أمر مشجع، رغم أنَّ الاحتمالات تشير إلى فوز عدد ضئيل منهم فقط.
والأهم من ذلك، أن النخبة اللبنانية الحاكمة تدرك أنها فقدت شرعيتها السياسية والمذهبية.
بيد أنه رغم هذا الاحتمال القاتم، فإن اليأس يبقى غير مبرر.
لقد زرعت انتفاضة 2019 الشعبية بذوراً لا بد أن تنمو في الوقت المناسب. من الناحيتين الجيوسياسية والاقتصادية، يظل لبنان قطعة ثمينة من العقارات تطل على البحر الأبيض المتوسط. وحاول الكثير من الطغاة في المنطقة تحويله إلى مخبأ لخططهم المظلمة، إلا أنهم جميعاً فشلوا، بينما نجح لبنان في زحزحتهم واستعادة السيطرة على مصيره. ولا يوجد سبب يمنع تكرار نفس نمط التحرر في الوقت المناسب، وتقليص حجم هذه الانتخابات لتصبح مجرد ملحوظة هامشية في كتاب تاريخ.
الواضح أن الصورة الكبرى في المنطقة لا تميل لصالح من يمارسون القمع بحق لبنان، فالنظام الخميني يغرق فيما يمكن أن يتحول إلى أزمة سياسية واقتصادية قاتلة. ومع سقوط روسيا في مستنقع أوكرانيا، قد يتحول حلم عائلة الأسد بالعودة إلى لبنان كلاعب كبير، إلى كابوس بالنسبة لهم.
وبغضّ النظر عن النتائج التي يرجّح أن تكون «مرتبة»، فإن انتخابات الأحد قد تتحول إلى استفتاء على المقاومة، ومقاومة اللبنانيين ضد القوى التي تحاول نزع اللبنانيين عن بلادهم.
وبوصفهم بحّارة جسورين، عرف الفينيقيون القدماء، أسلاف اللبنانيين، كيف يتغلبون على أكبر العواصف مع الحفاظ دوماً على أمل العودة إلى ساحل صور.
وكان للبحار الفينيقي القديم صلاة يتلوها كتعويذة: «يا إلهة صور، أم قرطاج! ها أنذا أسلم مجدافي!»
ودائماً ما كانت الإلهة تأخذ المجداف المكسور وتعطي البحار آخر جديداً لمواصلة رحلته بأمان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات اللبنانية والمجداف المكسور الانتخابات اللبنانية والمجداف المكسور



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib