رمضان والدراما مثل كل عام

رمضان والدراما... مثل كل عام

المغرب اليوم -

رمضان والدراما مثل كل عام

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

لعقودٍ من الزمن بقي موسم رمضان هو الموسم شبه الوحيد الذي تنتعش فيه الدراما العربية، فالمنتجون يحشدون أعمالهم، والممثلون ينسقون أدوارهم ومشاركاتهم، والتلفزيونات سخية في الإنفاق. يتحرك قطاع صناعة الدراما لأشهرٍ قبل رمضان ثم ينطفئ بعده في انتظار رمضانٍ آخر، ولكن المشهد اليوم تغيّر، فما حجم التغير؟ وما فائدته؟

بعد أيامٍ معدوداتٍ يدخل شهر رمضان 2024 وقد بدأت بالفعل حمى الإعلانات عن مسلسلات رمضان الدرامية وبرامجه التلفازية، والقنوات في سباقٍ محمومٍ وتزاحمها «المنصات الجديدة» و«السوشيال ميديا»، وكل يفتش عن جديد يملأ به ساعات العرض الطويلة أو يسجل به حضوراً، والجميع يفتش عن أرقام المتابعات التي تجلب المعلنين والأموال، وعلى الرغم من كل هذا فإن التغيرات على مشهد السوق الدرامية لا تخطئها عين المراقب والمتابع.

في الجواب عن حجم التغير فإن أول المتغيرات وأهمها هو دخول «المنصات» على عالم الدراما والتلفزيونات والقنوات بشكل عامٍ، فمنصات الدراما الجديدة غيّرت الصناعة بأكملها حول العالم، فدخول «نتفليكس» و«أبل» والكثير غيرهما غيّر كثيراً في الصناعة، ويكفي توسيع قاعدة المتابعين للمسلسلات مقارنة بالأفلام في السابق، وحجم الإنفاق على أعمال المنصات جعلها تدخل منافساً قوياً جداً لكل ما سبقها، ويكفي إلقاء نظرة على الجوائز الدرامية الكبرى حول العالم كل عامٍ لتكتشف الفرق الذي أحدثته هذه المنصات.

عربياً تعدُّ منصة «شاهد» هي المنصة الدرامية الأقوى وبلا منازع، ففيها تجد رقمياً غالب الإنتاجات المهمة تلفزيونياً لقناة «إم بي سي» الرائدة جنباً إلى جنبٍ مع إنتاجات وأعمال لقنواتٍ أخرى مثل «روتانا» و«التلفزيون السعودي»، وهي تمتلك إنتاجاتها الخاصة أيضاً، وكما صنعت «إم بي سي» القناة من قبل، فإن منصة «شاهد» هي التي تقود سوق المنصات الجديدة في العالم العربي، وثمة محاولات أصغر منها حجماً وتأثيراً وهي تضفي على المشهد نوعاً من المنافسة التي لم تكتمل بعد.

الزمن أقوى من الفتوى، وواقع الحال يفرض متغيرات تتغير بها كثير من فتاوى الفقهاء، وقد تغيّرت حياة الناس كثيراً، وفي الثمانينات الميلادية أصبح الناس يجدون حرجاً في قصر الوقت بين صلاة المغرب وصلاة العشاء في رمضان وهو حرج صحيٌ، وذلك للوقت الذي يحتاجونه للإفطار بعد صيام يومٍ كاملٍ، وحرجٌ عمليٌ في الانتقال من مكانٍ إلى مكانٍ، خصوصاً وأن صلاة العشاء مرتبطة بصلاة التراويح، فجاءت الفتوى حينذاك بتأخير صلاة العشاء لمدة أطول، تقارب ضعف المدة ما قبل رمضان، فهل تغيّر الدين حينها؟ والجواب أنه بالتأكيد لم يتغير ولم يتبدل، ولكن ظروف الناس تغيّرت فتغيرت الفتوى لا الدين، وهكذا جرى ويجري في كثير من مجالات الحياة، حيث تتغير الفتاوى البشرية والدين ثابتٌ لا يمس، ولولا تعنّت بعض الفقهاء وتشديداتهم الفقهية لكان هذا الأمر واضحاً للجميع وميسوراً عليهم.

في غالب التلفزيونات العربية كان يسبق أذان المغرب أدعيةٌ وأذكار، وبعد الأذان برامج دينية خفيفة، وفي السعودية تابع الناس لسنواتٍ الشيخ علي الطنطاوي في برنامجه الشهير «على مائدة الإفطار»، وهو برنامج دينيٌ يقدمه أديبٌ معروفٌ أكثر منه فقيهاً، وهو كان يقدّم رأياً دينياً منفتحاً ومتسامحاً مقارنة بغالب ما كان يطرح في وقته من آراء متشددة فقهياً.

في تلك الفترة ابتدأت تدخل على المشهد فقراتٌ كوميديةٌ خفيفةٌ تناسب ما يرغب فيه المشاهدون وهم على مائدة الإفطار وبعدها مباشرة وأصبحت هذه عادةً ثابتةً ونهجاً مستقراً إلى اليوم، فكل القنوات العربية تقريباً تبتدئ برامجها الرمضانية ما بعد الإفطار وهي فترة «البرايم تايم» أو وقت الذروة في المشاهدة وهي محل التنافس الأكبر في رمضان.

الفترة الثانية لوقت الذروة في رمضان تأتي بعد انتهاء صلاة التراويح في كل بلدٍ، وهي الفترة الحقيقية للدراما بأنواعها، الدراما التاريخية والاجتماعية وموضوعات متفرقة تشهد التنافس الكبير والتحدي الأقوى، ولشدة المنافسة فبعض الموضوعات تسعى لملامسة الخطوط الحمراء بحسب كل فترةٍ وكل بلدٍ وكل موضوعٍ، فمستقلٌ ومستكثرٌ، وقد شهدت بعض الأعمال إيقافاً ومنعاً من العرض بعدما فشلت في ملامسة هذه الخطوط الحمراء، وبعض الموضوعات تفضل التسطيح والعبث والإثارة للابتعاد عن هذه الخطوط مع عدم ترك المنافسة.

النقد وسيلة بالغة الأهمية في الفكر والمعرفة، وهو يتجلى في النقد الدرامي كغيره من التجليات الأدبية والفنية، وكم هو جيّد لو أتيح برنامج نقدي للدراما العربية في إحدى المنصات يتناول ما يطرح بشكل يومي وأسبوعي بدلاً من انتظار ما بعد رمضان لتكتمل الرؤية ويتضح المشهد، فالأمران جيدان، لكن البرنامج اليومي يعلّم أساليب النقد للمشاهدين ويسلط الضوء على بعض الأخطاء في التوجهات العامة وفي التناول الدرامي وفي تسلسل الأحداث وتوالدها من بعضها وفي مستوى التصعيد والأداء وكثير من التفاصيل التي تساعد المتابع العادي على تطوير ذائقته وترقية فهمه وبناء وعيه العام بالدراما، وتلك مهمة لو نجح فيها أحدٌ لاكتسب شهرةً وتأثيراً.

مما شاب منصات الدراما العالمية من النقد القوي والمؤثر هو في تناولها للدراما التاريخية وحجم العبث الذي مارسته تجاه تواريخ الأمم والشعوب والدول والأفراد، ومع الإقرار الكامل بأن الدراما ليست كتاباً في التاريخ ولا منهجاً في التعليم إلا أنه مع سعة انتشارها وعمق تأثيرها في زمن «التفاهة الممنهجة» فإن عبثها بالتاريخ تكون له تبعاتٌ يصعب إصلاحها وتعديلها، ولهذا أمثلةٌ معروفةٌ ومتعددة في الدراما قديماً وحديثاً.

ومما أصاب منصات الدراما العالمية من النقد الحقيقي هو تبنّيها الآيديولوجي لبعض التوجهات الفكرية أو السلوكية كأفكار اليسار الليبرالي الغربي فكرياً أو أفكار الشذوذ الجنسي سلوكياً، وإقحامها بمناسبة وبدون مناسبة في كل الأعمال حتى ليبدو أن مما يسوّق للعمل ليحصل على الدعم أو فرصة العرض أو تحقيق الأرباح أن يحتوي على شيء من ذلك، كبر أم صغر، وهذه معضلة حقيقية في هذه المرحلة.

أخيراً، فيبقى الأمل قائماً في القدرة على تحقيق معايير إقليمية وعربية قادرة على تجاوز الكثير من أخطاء وتوجهات منصات الدراما العالمية في الإنتاجات والتجارب العربية، والأمر ميسورٌ لطالبه مهيأٌ لراغبه، ورغبات التميّز عند اشتداد المنافسة يجب أن تحكمها معايير واضحة وقوانين تجمع بين التحفيز والحماية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رمضان والدراما مثل كل عام رمضان والدراما مثل كل عام



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib