الأطفال هم من يدفع ثمن حماقات الكبار

الأطفال هم من يدفع ثمن حماقات الكبار

المغرب اليوم -

الأطفال هم من يدفع ثمن حماقات الكبار

د. آمال موسى
د. آمال موسى

يحتفل العالم غداً بذكرى مرور 32 عاماً على الإعلان عن اتفاقية حقوق الطفل، وهي مناسبة إضافية ومهمة لإثارة مشاكل الطفولة اليوم من زاوية حجم الفجوة القائمة بين تشريعات الطفولة في العالم وبين الواقع وطبيعة الممارسات المسلطة على الأطفال.

طبعاً لا يستقيم الحديث عن الأطفال بكونهم يعرفون وضعية واحدة؛ هناك أوضاع مختلفة يعيشها الأطفال في العالم اليوم. وهنا نطرح سؤال الطفولة في العالم العربي: هل هي في وضعية آمنة بشكل يجعلنا نطمئن على مستقبل مجتمعاتنا، أم أنها مهددة ومهملة كما تشير إلى ذلك الأرقام والإحصائيات والظواهر التي باتت تعصف بالأطفال؟

لا بد من الإشارة إلى أنه من سنوات والخطاب الإعلامي والاجتماعي بشكل عام يركز على فئة الشباب وما تعانيه من مشاكل كالبطالة وظاهرة التطرف، وهو تركيز مفهوم جداً باعتبار أننا من تاريخ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والعالم في حرب معقدة مركبة غامضة ضد الإرهاب، الذي اعتمد بشكل أساسي على استغلال الشباب ذوي الإكراهات الاقتصادية والوضعيات الهشة.

غير أن ما حصل من تركيز مفهوم ولقد كان في مقابلذلك سبباً للإجحاف بحق الطفولة في العالم العربي، حيث ظلت الطفولة من المواضيع التي لا تشغل بالنا ولا تبعث فينا القلق، والحال أن المستقبل مرتبط أساساً بالطفولة ناهيك عن أنها المرحلة الحاسمة في تشكيل شخصية الإنسان وبناء تمثلاته للأشياء؛ إذ التنشئة الاجتماعية للفرد تُبنى أسسها وتُرسم ملامحها في فترة الطفولة المبكرة، أي ما بين سن الثالثة والخامسة.

هناك مبدأ يمكن أن نعتمده في تحديد وضعية الأطفال، وهو مبدأ عدم التمييز بين الأطفال. وكما نعلم فإن هذا المبدأ يتصدر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي يحتفل العالم غداً بمرور 32 عاماً على تأسيسها.

طبعاً غالبية بلداننا قد وقعت على هذه الاتفاقية، لكن واقع الطفولة كما ترويه الظواهر والأحداث يعكس وجود فجوة حقيقية بين التشريع في مجال الطفولة وبين الواقع.
وليست مبالغة إذا قلنا إن كل المشاكل التي تحصل في العالم بدءاً من المشاكل الزوجية في المنزل وصولاً إلى الحروب بين الدول إنما الأطفال هم أكثر الضحايا.

لنعترف نحن المجتمعات العربية بأننا نحب إنجاب الأطفال، ولكن الطفل لا نفكر فيه ككيان خاص له شخصيته وأحلامه الخاصة. الطفل نعتبره امتداداً لنا في كل شيء. ونريد منه أن يرث نجاحنا إذا نجحنا وأن ينتقم من فشلنا وينجح إذا فشلنا.

من جهة ثانية فإن غالبية أطفال العالم العربي اليوم يعانون من الفقر والجوع مقابل أطفال يعيشون في ترف مبالغ فيه. بمعنى آخر هناك تمييز طبقي شاسع نلاحظ تمظهراته من خلال تزايد ظاهرة العنف في صفوف الأطفال.

وهنا من المهم أن نضع الأمر في إطاره، فالطفل العنيف هو في الأصل طفل معنف، والتباين الاقتصادي بين الأطفال يمثل شكلاً من أشكال العنف الرمزي والمادي أيضاً. ويمكن سحب تفسير العنف الاقتصادي على مجمل مشاكل الطفولة اليوم، حيث إن الأزمات الاقتصادية في بلداننا وتداعيات التوتر والحروب على الأطفال نفسياً واقتصادياً.

وإذا سلمنا بفكرة أن الأسرة العربية اليوم تعاني من التفكك وأن أرقام الطلاق مرتفعة ومخيفة، وأن تراجع دور الدولة اجتماعياً لصالح القطاع الخاص يشكل توجهاً اختارته بلداننا مع فارق في نسق الخطوات، فإن كل هذه التسليمات تتطلب منا إقراراً صريحاً بأن الطفولة ليست بخير في بلداننا، وهو ما تؤكده ما تسمى بالطفولة الجانحة أي الانحراف وحتى الجريمة في صفوف فئة الأطفال، وأيضاً ما نطلق عليه الطفولة المهددة التي تظهر في الاستغلال الاقتصادي للأطفال وعملهم دون السن القانونية التي تسمح بها تشريعات الطفولة. وأيضاً يتعرض الأطفال اليوم إلى عنف جنسي واستغلال جنسي غير مسبوق. وتحتاج هذه الظواهر إلى استنفار علمي وقانوني وسياسي، لأنها ظواهر تنم عن مشكل قيمي كبير بدأ ينخر مجتمعاتنا.

لذلك فإن احتفال كافة البلدان غداً باليوم العالمي للطفل وأيضاً انطلاق تظاهرة شهر حماية الطفولة، إنما يمثل مناسبة لإثارة النقاش العمومي حول واقع الطفل اليوم في الفضاء العربي والإسلامي، وأن يتم التناول بكل جرأة وتصور نقدي يسهم في لفت الانتباه وفي نشر الوعي بمشكلات الطفولة التي ستتراكم وتلقي بظلالها على المستقبل.
من ناحية أخرى ولما كان الطفل هو الضحية فإن القرارات على مستوى الأسر والأوطان والعلاقات الدولية وقرارات الحرب والسلم، يجب أن تضع مصلحة الأطفال في الاعتبار والحسبان، لأن في هذا الانتباه إنما نكون بصدد اعتبار الطفولة ضمن الأولويات والمحاذير.

لذلك فإن النخبة السياسية تقاس نجاعتها بواقع الطفولة في البلد الذي تحكمه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأطفال هم من يدفع ثمن حماقات الكبار الأطفال هم من يدفع ثمن حماقات الكبار



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib