العربية لغة المستقبل أيضاً

العربية لغة المستقبل أيضاً

المغرب اليوم -

العربية لغة المستقبل أيضاً

آمال موسى
د. آمال موسى

يحتفل العالم غداً باليوم الدولي للغة العربية، وهي اللغة التي يستخدمها 400 مليون نسمة. كما أنها لغة تنتمي إلى ثقافة تعد من الثقافات الأم في الحضارة الإنسانية.ولعل اليوم العالمي للغة العربية يمثل مناسبة مهمة لتذكير العالم بمكانة هذه اللغة وعراقتها، إذ إن اللغة هي مقوم رئيس من مقومات هوية أي شعب، إضافة إلى أن اللغة هي ليست أداة تخاطب وكتابة فقط، بل إنها تعكس نظام تفكير الأمة التي تنطق بها.

طبعاً حال اللغة من حال أصحابها. وحال اللغة العربية اليوم يشبه ما نعرفه من مشكلات في الفضاء العربي الإسلامي بشكل عام. ولكن رغم كل هذا هناك حقيقة من المهم الاتفاق حولها والانطلاق منها في كل نقاش يدور حول مكانة اللغة العربية ومستقبلها. فهي لغة رئيسة وتنتمي إلى قائمة اللغات الأم في العالم. ورغم كل المشكلات فإن اللغة العربية ظلت عامل تجميع للمجتمعات العربية ودليل وحدة ثقافية رغم عدم تحقق ذلك بالشكل الذي تطمح له مجتمعاتنا اقتصادياً وذلك من النقاط التي تحتاج إلى الاشتغال عليها مستقبلاً أكثر لأن الرابطة الثقافية بين البلدان العربية قائمة الذات، وهي متوارثة وعفوية ونعتقد أن استثمار الاشتراك في اللغة والثقافة في تقوية الروابط الاقتصادية من شأنه أن يصب في تقوية كل الأبعاد التي تربط مجتمعات الفضاء العربي الإسلامي.

كما أن اللغة العربية رغم كل المشكلات التي تعيشها على امتداد أكثر من قرن من جراء محاولات الاستعمار لطمسها، ثم المخاضات التي عرفتها الكثير من دولنا بعد الاستقلالات، فإنها ظلت لغة وجود للمجتمعات العربية وهو ما يؤكد قوة اللغات الأم وصمودها رغم الهزات التي يمكن أن تعرفها المجتمعات التي تستخدم تلك اللغة. وفي علم اللسانيات فإن اللغة تعتبر أكبر من الحضارة، بل إن اللغة كي تضمن ديمومتها فهي تحتاج إلى 850 سنة من الممارسة؛ وهو ما نفهم منه أن الشعوب التي عرفت الاستعمار يجب ألا تخشى على لغتها من لغة المستعمر؛ لأنه لا يوجد استعمار دام 850 عاماً.

ومن خلال هذه المعطيات الدقيقة نستطيع أن نفهم من جهة سر صمود اللغة العربية ونطمئن على مستقبل هذه اللغة من جهة ثانية. طبعاً هناك من أعلن خبر نعي اللغة العربية وانخرط في الدعاية للغات الأكثر انتشاراً أو التي توصف بكونها لغة العصر. ومثل هذا الانخراط الذي تورط فيه البعض من نخبنا يبعث على الاستغراب لكونه لا يستقيم من الناحية الموضوعية قبل الذاتية، وذلك من منطلق كون الدعاية ضد اللغة العربية يعني التنازل عن أهم مكونات هوية أي بلد والتنازل عن مكون مهم من مكونات رأس المال الرمزي بدل استثماره. كذلك نسجل ما ينطوي عليه مثل هذا الانخراط من مغالطات تتعلق بماهية اللغة نفسها وطرق دفاعها عن حيويتها ونبضها. ويبدو لنا أنه من غير الممكن الحديث عن مستقبل الشعوب العربية بعيداً عن مستقبل اللغة العربية ذاتها، فهي قلب الثقافة العربية.

هل يعني هذا أن اللغة العربية لا تشكو من أي مشكل؟

لا شك في وجود مشاكل حقيقية، وهو أمر ينسحب على كل اللغات؛ إذ تنعكس مشكلات أي ثقافة على اللغة. وفي هذا السياق تحديداً نشير إلى أن اللغة العربية تعاني من مظاهر التعثر التي يعرفها النسق الثقافي العربي الذي لا يزال يخلط بين المقدس والدنيوي، حيث التردد بين سجلات قيمية ومرجعيات ثقافية مختلفة أنتج نسقاً ثقافياً يتميز بالانفصام والتشظي. لذلك فإن الاتكاء على مشروع نقد النسق الثقافي العربي سينسحب آلياً على اللغة العربية وهي من أول المكونات الثقافية التي ستقطف ثمار مجهودات نقد العقل العربي، لأن اللغة تكشف عن نظام التفكير الذي يمثل بدوره موضوع رهان عملية النقد نفسها.

وكلما قطعنا شوطاً في إرساء قيم العقلانية والأنسنة والنسبية والموضوعية تحررت اللغة العربية من قيودها ورسمت لنفسها مساراً جديداً تتجدد به وتعلن عن قدرتها على أن تكون معاصرة.
وهناك آليات لم نقم بتوظيفها بشكل جيد واسترشادي فيما يخص تحسين موقع اللغة العربية، ونقصد بذلك الرقمنة وأيضاً الترجمة. ذلك أن كل اللغات الكبرى اليوم توظف العالم الرقمي لنشر لغاتها والرفع من عدد الناطقين بها، وذلك بإعداد خطط تواصلية وتطبيقات وفيديوهات تسهم في تعلم اللغة والتمكن منها. ونحن نلاحظ أن الجهد العربي في هذا المنحى ما زال يحتاج إلى توحيد الجهود واعتماد مشروع عربي واضح الأهداف. أما الترجمة رغم ما تمثله من انفتاح للغة ومن دعم لحياة اللغة وفتح آفاق لها، فإننا نمارس الترجمة بمزاج وبعفوية بلا حرص واضح ومفكر فيه لنشر الثقافة العربية في اللغات الأخرى؛ إذ الترجمة عنصر جذب لجمالية اللغة.إن اللغة العربية اليوم تشهد صراعاً من أجل أن تكون لغة مستقبل وتفند الأطروحات التي تريد سجنها في مدار الماضي، وكأي صراع لا بد من استراتيجية دفاع وآليات مقاومة وصمود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العربية لغة المستقبل أيضاً العربية لغة المستقبل أيضاً



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib