كلمة عن الديمقراطية

كلمة عن الديمقراطية

المغرب اليوم -

كلمة عن الديمقراطية

د. آمال موسى
د. آمال موسى

يحتفل العالم اليوم بالديمقراطية. ونعتقد أنّها مناسبة لطرح بعض المسائل التي باتت مثيرة للتفكير فيها مع العلم أن الأسئلة كثيرة ولكل بلد سؤاله الخاص في خصوص هذه المسألة: هناك من لم يباشر تجربة الديمقراطية بعد وهناك من صار عريقا في الممارسة الديمقراطية ونجد من سلك الطريق نحوها وفي خطوته الأولى...

أيضا نلاحظ أن اللعبة الديمقراطية تحتاج إلى زمن كي يتمكن الشعب من التربية على شروطها وتعلم دروسها القاسيّة إذا ما وقع الإخلال بأحد شروطها. كما أن عراقة التجربة الديمقراطية لا تمنع من حدوث انتكاسة ما في مسار ديمقراطي طويل وتظهر قيمة العراقة في هذه الحالة بالتصدي لأسباب الانتكاسة ولدور مؤسسات المراقبة الحامية للديمقراطية من أي انحراف.

ولكن الواضح هو أن الديمقراطية ظاهرة حتمية حتى لو تأخرت. بل إنّ طبيعة العلاقات الدولية اليوم وشروط التضامن والدعم الدوليين كلّها تؤكد أن الانخراط في التجربة الديمقراطية هو من مفاتيح التموقع في العالم اليوم والاستفادة من التشجيعات الممنوحة لمن يُقبل على الديمقراطية ومن ذلك نذكر المؤسسات المالية الكبرى التي تضع الاعتبار السياسي (الاستقرار ونظام الحكم وحجم المشاركة السياسية والحريات العامة ....) شرطا للموافقة على القروض بل وأيضا معيارا في ضبط نسب الفائدة.

إذن لا مفر من الديمقراطية بما تعنيه من سيادة الشعب في دولته من خلال التعبير عن إرادته ديمقراطيا أي عن طريق صناديق الاقتراع.

بالنسبة إلى الشعوب العربية فكلّما تقدم بلد في الإصلاح وقطع خطوات في الحريّات العامة والخاصة وأمضى على اتفاقيات ذات صلة بحقوق الإنسان، وأصبح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرجعية أساسية في تنظيم شؤون الشعوب، تم الاقتراب من الديمقراطية.وليس خافياً أن الأشواط الإصلاحية التي قطعت في سائر البلدان العربية في مجال المرأة والمواطنة تعتبر مؤشرات مطمئنة حتى لو كانت الممارسات الاجتماعية والسياسية لحقوق الإنسان متخلفة عن التشريعات والاتفاقيات الممضى عليها، لأن القوانين ستفعل فعلها مع الوقت وليس قليلاً تمكين الناس من الحريات قانونياً حيث إن الانتقال من ضمان الحق قانونياً إلى المطالبة به. بمعنى أن من يطالب بحقه فسيجده.فالحراك الحاصل اليوم في مجال الحقوق والحريات في البلدان العربية إنّما ينبئ بولادات عدّة في مستوى القريب والبعيد، إذ إن هذا الحراك يهيئ الشعب والبلاد ككل للانتقال إلى سياق اجتماعي وسياسي ينتصر أكثر للفرد وللحريات وهو سياق سينتج مطالب جديدة تتبلور مع الوقت ووفق استعدادات الشعب وطموحاته وطلائعية نخبه.

إلى جانب الدول العربية التي انخرطت في نهج الإصلاح الحقوقي والحرياتي المؤدي حتماً إلى الديمقراطية من منطلق كون الحريات السياسيّة هي جوهر الحريّات والحقوق نجد من البلدان من خاضت تجربة الديمقراطية، ولكنّها تعرف تعثرات وصعوبات أدت إلى فشل سريع.

طبعاً من المهم التمييز بين الديمقراطية كفلسفة وفكر وتنظيم سياسي وآليات وبين التطبيقات السيئة المنحرفة عن أصل الديمقراطية. فالكلمة المفتاح وكلمة السر في اللعبة الديمقراطية هي: النزاهة. ولكن الملاحظ أن هذه الكلمة لم تعد تعني كثيرا في الديمقراطيات العريقة حيث من يحظى بأطراف تمول حملته الانتخابية يضمن الفوز والوصول إلى الحكم، وهنا نذكر الديمقراطية الأميركية وتأثير المال على تحديد الفائز في السباق نحو البيت الأبيض. ولا تفوتنا الإشارة في السياق نفسه إلى ما وراء المال من أجندات وأهداف ورأينا هذا الربط مرارا في الانتخابات الأمريكية وتأثير اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة في تحقيق الفوز الأكثر ضماناً لهيمنة إسرائيل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني العربي.
وفي البلدان العربية أيضاً رأينا استفادة الأحزاب السياسية الدينية في مصر وتونس من المال الأجنبي في تمويل الحملات الانتخابية والوصول للحكم، وكانت النتيجة الموالاة لغير تونس ومصر حيث الموالاة لمن قام بالتمويل بهدف ضمان تحقيق أجندات مخالفة للأولويات الوطنية. وهنا نلاحظ كم الأذى الذي يمكن أن يلحقه المال الخارجي بالتجارب الديمقراطية الناشئة حيث يقضي على اللعبة الديمقراطية وهي في بداياتها وذلك لسببين؛ الأول أن المال الخارجي يضرب نزاهة الانتخابات والنزاهة هي كلمة سر الديمقراطية الفعلية والحقيقية، وثانياً لأن المال الخارجي يعتدي على إرادة الشعب المعني الأول والأخير بالانتخابات ونتائجها المعبرة عن أصواته.

من جهة ثانية، أثبتت تجربة الديمقراطية السياسيّة في تونس أن وجود الإسلام السياسي يُعطل المسار الديمقراطي، لأنه يأخذ التجربة من مشاغل التنمية إلى التجاذبات الآيديولوجية والمعارك والتوافقات الظرفية الهجينة غير المبدئية. والإيجابي في كل هذا حتى لو تم الإخلال بشروط الديمقراطية وإسقاط شرط النزاهة والتلاعب بها هو أن الديمقراطية تكشف اللاعبين فيها وبها. وهذه نقطة مهمة جداً لأن الديمقراطية نظام يكشف جميع الأطراف المشاركين فيها باعتبار أن المشاركة هي المحدد الوحيد لحقيقة النضال وغربلته.الديمقراطية كلّها خير رغم الصدمات في غالب الأحيان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلمة عن الديمقراطية كلمة عن الديمقراطية



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:57 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الاستهتار" يدفع حكم لقاء سبورتنغ والطيران لإلغاء المباراة

GMT 03:43 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء يعثرون على مقبرة اللورد "هونغ" وزوجته في الصين

GMT 19:20 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

سعد الدين المرشّح الأقوى لمنصب رئيس البرلمان المغربي

GMT 11:14 2015 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

سيارات نيسان الكهربائية تمد المنزل بالطاقة

GMT 04:18 2016 الإثنين ,16 أيار / مايو

أم لستة أطفال تستخدم الخضروات في أعمال فنية

GMT 00:57 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة أم يحيى تكشف عن حقيقة السحر وأسرار الأعمال السفلية

GMT 12:56 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد والترجي الجمعه في أقوى مواجهات الجولة الرابعة

GMT 15:43 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مارسيلو يخالف لاعبي الفريق الملكي بشأن زميله بنزيمة

GMT 02:00 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة عطور جديدة من "Trouble in Heaven Christian Louboutin"

GMT 12:37 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

الوداد المغربي يُخصص تذاكر خاصة لجماهير المغرب الفاسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib