وظيفة الدولة الوطنية

وظيفة الدولة الوطنية

المغرب اليوم -

وظيفة الدولة الوطنية

آمال موسى
د. آمال موسى

من سنوات طويلة أصبح الخطاب حول دور الدولة الوطنية يتراجع ويعرف انطفاء، مقارنة بخطاب آخر يُمجد التكتلات الدولية والشركات المتعددة الجنسيات، الأمر الذي أنتج ثقافة جديدة لا تحظى فيها فكرة الدولة الوطنية بأولوية في تفكير الأجيال الصاعدة.

غير أن جائحة «كورونا» قد أسهمت بشكل لافت في استعادة الدولة الوطنية لوظيفتها، حيث إن المواطن استنجد بالدولة في مواجهة تحدّي الجائحة وإيجاد الحلول للمصابين، وحصلت هذه النقلة النوعية في عودة الروح لدور الدولة حتى في البلدان الليبيرالية الرأسمالية التي قطعت أشواطاً هائلة في خوصصة غالبية القطاعات الحيوية للمجتمع. بل إن جائحة «كورونا» أثارت أسئلة كثيرة حول مصداقية القطاع الخاص ومدى صواب الاندفاع غير المحسوب نحو الخوصصة.

ومن ثم يمكن الاستنتاج أن جائحة «كورونا» مثّلت فرصة مهمة كي يعاد التفكير في مسألة وظائف الدولة، وأي وظائف أكثر من غيرها يجب أن تظل تحت هيمنة الدولة، ولعل التجربة ما فتئت تؤكد أن التعليم والصحة يجب أن يكونا بشكل أساسي من وظائف الدولة الأولى، ومن الخطأ التفريط في هذين القطاعين للقطاع الخاص دفعة واحدة أو بشكل كبير.
وفي الحقيقة، أن أرقام الفقر في بلداننا العربية تحتم علينا الدفاع عن فكرة الدولة الوطنية ومركزيتها ووظائفها؛ ذلك أن القطاع الخاص معني بالربح أولاً وأساساً، في حين أن القطاع العام ومؤسسات الدولة معنية بإشباع توقعات المواطنين وإيجاد الحلول للفقراء والعاطلين عن العمل، ولكل الذين يعانون من إكراهات اقتصادية.

ونعتقد أن إعادة التفكير في دور الدولة الوطنية والتراجع عن سرعة الانخراط في اتجاه الخوصصة، تستدعي أن تكون الدولة قوية حتى تستطيع تلبية وظائف أصبحت مكلفة، خاصة بالنسبة إلى الدول غير الغنية. وقوة الدولة في هذا السياق ليست فقط الإمكانات المادية، بل في قوة التصور والمشروع والاشتغال على مقومات هوية الدولة الوطنية التي تُعنى بالتاريخ المشترك للشعب وما يعنيه من التفاف مجتمعي ومن دعم للبعد التضامني والتكاتف من أجل مواجهة تغييرات العالم.

ويمكن الملاحظة أن أكبر معضلة تعاني منها الدول الوطنية غير الغنية اليوم، هي مسألة السيادة الوطنية التي تراجع مفهومها مع تراجع مسألة الوظيفة المركزية للدولة الوطنية. ولكن الظاهر أن عودة الالتفاف حول الدولة ومطالبتها بالتمسك بالوظائف الاجتماعية الأساسية لم يصاحبها انتباه إلى ضرورة أن يسترجع أيضاً مفهوم السيادة الوطنية المرتبط وجوباً بقوة دور الدولة، إذ إن سيادة الدولة شرط أساسي للنجاح وللتفاوض مع الشركاء في العالم.

وكلما كان هناك هذا الاستبطان لمعنى السيادة كان الالتحام بين الشعب والدولة قوياً، وكان الشعور بالهوية الوطنية والانتماء والحساسية من التدخلات في الخيارات الاقتصادية والشؤون الداخلية مصدر رفض.

طبعاً هناك فرق بين إفراغ الدولة الوطنية من سيادتها وبين انفتاحها على العالم والانخراط فيه. ولقد اتضح اليوم وبالنظر إلى الأحداث والمواقف من تاريخ حرب الخليج الأولى وصولاً إلى الجائحة التي مثّلت تجربة بأتم معنى الكلمة، أن الأفكار التي كنا نعتقد بها تستحق المراجعة أو لنقل تنسيبها وتعديلها. ولعل القول إن الدولة الوطنية انتهى أمرها وإن الحاضر والمستقبل للتكتلات الدولية والاصطفاف وراء القوى الدولية... كل هذه المقولات وغيرها أظهرت أنه لا غنى عن الدولة الوطنية، وأنها في الأزمات الكبرى تظل هي المسؤولة معنوياً وواقعياً.
لا شك في أن عودة الروح في وظائف الدولة قد أصبحت حقيقة، ولكن أيضاً هناك حقائق أخرى أنتجها تراكم الحقوق الفردية والحريات العامة وثورة تكنولوجيا الاتصال، وهي حقيقة تميز بين الدولة الوطنية في بدايات تأسيسها التي قامت على الدولنة والنظام السياسي الشمولي وبين الدولة الوطنية القوية في 2021.

فالشعوب العربية الراهنة تتطلع إلى دولة وطنية قوية بالقانون.. دولة عادلة في القانون وفي توزيع الثروات.. دولة وطنية تقود قطار التنمية من دون الانخراط في الحلول السهلة كالاقتراض المتتالي بدون ابتكار حلول تقوم على الاستثمار وإيجاد الأسواق.

إن العالم العربي اليوم في امتحان متعدد الأبعاد، ويبدو لنا أن الرهان على قوة الدولة الوطنية ومعنى السيادة الذي يُمكّن الدولة ذاتها من قدرة على التفاوض والدفاع عن أولويات شعبها، من الأمور التي نقيس بها كفاءة نخبنا السياسية.

ولا يخفى أن الهدف من التمسك بالحد الأدنى من السيادة الوطنية هو حماية أولويات كل دولة وجعلها في حالة انتباه ويقظة من خطورة التنازل عنها لفائدة الدول التي تستهدف السيادات الوطنية للدول التي لا تنتمي إلى نادي الدول القوية في العالم.

قد يرى البعض أن الأقوى اقتصادياً هو فقط من يمتلك السيادة، ولكن هذا الكلام أجهضه تاريخ الشعوب مراراً. فالدولة هي كيان ثقافي أيضاً، وكل كيان يحقق معناه الذاتي وفق عناصر ليست هي نفسها في كل دولة وزمن.
إن الفكرة الجوهرية هي أن الدفاع عن الأولويات الوطنية والتعامل مع ما يخدم هذه الأولويات هو التحقق الفعلي للسيادة الوطنية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وظيفة الدولة الوطنية وظيفة الدولة الوطنية



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib