من الجيد أن يكون موضوع تمكين المرأة مركزَ اهتمام مؤتمر رفيع المستوى. ومن الجيد جداً أن تكون المرأة موضوع هذا المؤتمر هي المرأة المسلمة بالذات، لما في ذلك من فرصة مهمة لمعالجة الأفكار المغلوطة، ولتمرير رسالة للعالم مفادها رهان الدول المسلمة على نسائها والتعويل عليهن، تماماً كما الرجال في الدفع بعجلة التنمية والتقدُّم.
يمكن القول إن هذا المؤتمر الرفيع المستوى الذي نظمته وزارة خارجية المملكة العربية السعودية مع «منظمة التعاون الإسلامي» قد نجح في تحقيق الهدف؛ إذ إن عدداً كبيراً من الوفود المشاركة أبرزوا المنجَز في بلدانهم في مجال تمكين المرأة، وعرضوا التحديات الكبيرة التي لا تزال ماثلة أمام المجتمعات الإسلامية لرفعها بنجاح.
والمتمعِّن في الكلمات الرسمية يوم افتتاح المؤتمر، وأيضاً في اليوم الأول من أشغاله، حيث الكلمات الرسمية لرؤساء الوفود المشاركة يتوقف عند ملامح أفكار ثلاث كبرى:
أولها أن هناك حراكاً حقيقياً للنهوض بالمرأة في العالم الإسلامي، ولو كانت وتيرة الحراك مختلفة من بلد إلى آخر. ونعتقد أن هذا الحراك دليل استيعاب اللحظة الحضارية الراهنة، والانخراط في رؤية جديدة للفعل الاجتماعي وللحياة الاقتصادية، وهي رؤية تسعي إلى إيلاء المرأة نصيباً مهماً ودوراً رئيسياً بعيداً عن النسق الثقافي القائم على الهيمنة الذكورية.
ثانياً ومن المظاهر التي نراها إيجابية أن هناك ما يشبه التنافسية الحميدة اليوم بين النخب والمجتمعات حول مَن المجتمع الأكثر قدرة على تحسين وضعية المرأة، وإثبات ذلك بالأرقام والمؤشرات والصورة الإعلامية الجديدة، حول تقاسم الأدوار والصيت والنجاح والمسؤولية بين الجنسين.
نظن أنه من المهم تسجيل انطلاق قطار النهوض بوضعية المرأة في شتى البلدان الإسلامية. بل إنه يمكن القول إن أي تهديد لحقوق النساء والفتيات اليوم، خصوصاً منها الأساسية، لن يُنظر إليه بحياد وسلبية، وكلها مؤشرات جيدة تنبئ بتغير حقيقي وفيه تصميم.
الفكرة الثالثة الجديرة بالتوقف عندها هي تناول المرأة، وفق المرجعية الإسلامية، وهي نقطة مهمة بالمعنى الحضاري اليوم، إذ تستبطن مقاومة للأفكار المغلوطة التي تحاول الربط بين تعاليم الدين الإسلامي والمكانة الدونية للمرأة المسلمة وحقوقها المنقوصة.
من ناحية ثانية، يمثل انعقاد مؤتمر رفيع المستوى حول مكانة المرأة المسلمة وكيفيات تمكينها مقاومة فعلية وعملية للعادات والتقاليد التي سجنت المرأة في الفضاء الخاص، وقامت بإقصائها من الفضاء العمومي ومختلف حقول الفعل الاجتماعي.
أما النقطة الثالثة التي نود تثمينها في هذا المقال تتعلق بوضوح الرؤية وتركيزها حول مسألتين اثنتين، هما مفتاح النهوض الفعلي والمعمق والتأسيسي بالمرأة المسلمة. إنهما مسألتا التعليم والمشاركة الاقتصادية؛ فخطة الطريق واضحة وجلية حيث البداية الحق في التعليم بوصفه أساس الأساسيات، إضافة إلى أن الدين الإسلامي تناول طلب العلم ومنح العلم والقراءة مكانة بارزة في متن كتاب الله العزيز.
إن الاستثمار في الفرص المتاحة في مجتمعاتنا المعاصرة، وتوظيفها وفقاً لمقاربة حقوقية تأخذ باحتياجات النساء والفتيات اللواتي يمثلن ديموغرافيا النصف من شأنها أن تدعم حقوق المرأة في المجتمعات الإسلامية.
ويظل التعليم والتكوين من أهم الآليات التي يمكن الرهان عليها، وهي التي ستجعل من كل التحديات الأخرى في المتناول ومسألة وقت يختلف من تجربة مجتمع إلى آخر. وطبعاً كما يعلم الجميع، فإن تونس تمثل تجربة رائدة ومبكرة في مجال تعليم البنت، حيث راهنت على ذلك تونس منذ استقلالها، واليوم تبلغ نسبة تمدرس الإناث في سن السادسة، 99.7 في المائة، وتضاهي نسبة الطالبات المسجَّلات في الجامعات العمومية للسنة الجامعية (2022 - 2023) 66 في المائة من مجموع الطلبة المسجَّلين. بالتعليم وبه فقط تكون البداية ويرفع الرهان. وكم هو مهم ما تقوم به عدة بلدان في المغرب العربي والخليج العربي ومصر وبلدان إسلامية كثيرة، عندما تراهن على النساء وتسند إليهن حقائب وزارية ومسؤوليات دبلوماسية عالية، حيث إن مثل هذا التمشي حجة دامغة وطريقة فعالة في تغيير الصورة وبناء رسائل جديدة عن مجتمعاتنا.
وفي هذا الصدد، نعتقد أن الهياكل المنظماتية العربية والإسلامية التي تشتغل على المرأة العربية والمسلمة مدعوة إلى إنتاج تقارير دورية تعاين المنجز في الهدفين الخامس والعاشر من أهداف التنمية المستدامة، حتى تكون جميع نساء وفتيات الفضاء الإسلامي في الصف الأول من الركب وليس خلفه، وجميعهن دون استثناء. إن مجتمعاتنا ودولنا في اللحظة الراهنة بحاجة اليوم إلى مزيد الاستثمار والاستفادة مما تتمتع به النساء والفتيات في الفضاء الإسلامي من طاقة وقدرة وكفاءة لرفع التحديات الكبرى والمساهمة بشكل فعال في بناء الاقتصاديات والتنمية وخلق الثروة.
فكلمة السر والعلن اليوم هي: تمكين النساء والفتيات في العالمين العربي والإسلامي.