ضحايا تغيرات المناخ

ضحايا تغيرات المناخ

المغرب اليوم -

ضحايا تغيرات المناخ

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

تنطلق بعد يومين أعمال قمة المناخ بشرم الشيخ فى مصر، وهى قمة دولية يحضرها رؤساء دول كثر، وعدد كبير من النشطاء فى مجال البيئة والمعنيين بقضايا المناخ. وعلى امتداد قرابة الأسبوعين، فإن الموضوع الأساسى للنقاش على أعلى مستوى: المناخ أو تغيرات المناخ كقضية باتت تهم الإنسانية وتستشعر تداعياتها يومًا بعد يوم.

طبعًا، هناك حقيقة لا غبار عليها مفادها أن الجميع ضحايا تغيرات المناخ، نساء ورجالًا وفقراء وأغنياء.. غير أن فى عمق هذه الحقيقة وثناياها هناك حقائق أخرى جديرة بالإبراز والتركيز عليها، لأن الانشغال بالحقائق العامة أحيانا يقودنا إلى التجاهل، وهو ضرْبٌ من ضروب المس من الحقيقة والواقع.

وبوضوحٍ لا غبار عليه أيضًا، فإن النساء والأطفال والفقراء وكبار السن وذوى الإعاقة هم الضحايا رقم واحد لتأثيرات تغيرات المناخ. ومن هذا المنطلق فإن النقاشات التى ستلتئم فى قمة المناخ الجديدة لا تستطيع أن تغفل واقع الفئات الأكثر تضررًا، خاصة أن تحديد ضحايا الصف الأول من تغيرات المناخ يستبطن أيضًا تحديد الفئات القادرة نفسها على مجابهة التأثيرات، باعتبار أن تعزيز صمود هذه الفئات يندرج فى عمق معالجة التأثيرات السلبية والتداعيات المنهكة للفئات الهشة. وبقدر ما تعتبر هذه الفئات فى حالة ضعف نتيجة لهذه العوامل، فإنها تمثل فئات فاعلة تلعب دورًا مهمًا فى مجابهة تغير المناخ.

ويمكن للمجموعة الدوليّة الالتزام بمعالجة حالات الضعف والهشاشة، وفقًا لمبادئ المساواة وعدم التمييز؛ ذلك أن تأثير تغير المناخ والكوارث يتباين على النساء والرجال والفتيات والفتيان وكبار السن، إذ تتعرض العديد من النساء والفتيات لمخاطر أكبر، ويتحملن أعباء أثقل، ويواجهن آثارًا أشد مع التغيرات المناخية.

تتعرض النساء بشكل أكثر حدّة للمخاطر المرتبطة بتغير المناخ بسبب التمييز الذى يُمارس ضدهن وعدم المساواة فى ظروفهن والأدوار الموكلة لهن. وقد ثبت أن النساء، ولا سيما المسنات والشابات، يعانين أكثر، ويتعرضن لمخاطر أكبر خلال جميع مراحل الكوارث الطبيعية. كما يمكن أن تكون النساء ضحايا للعنف القائم على النوع الاجتماعى أثناء الكوارث الطبيعية والهجرة الناتجة عن هذه الكوارث. كما تتأثر النساء فى الأرياف بشكل خاص بالآثار التى تلحق بالفلاحة وتدهور الظروف المعيشية فى المناطق الريفية.

وتزداد الهشاشة بسبب عوامل مثل: عدم المساواة، والصعوبات فى الوصول إلى المعلومات والخدمات المالية وتسويق منتجاتهن. ولا يفوتنا أن فقدان المحاصيل الفلاحية وتدهور الثروة الحيوانية ونقص المياه الناتجة عن التغيرات المناخية إنما يمس الأسر مباشرة، وعلى رأس أفراد الأسرة النساء، وذلك باعتبار أن تقلّص دخل الأسر الفقيرة يؤدى آليًا إلى فقدان الأمن الغذائى، مما يثقل كاهل النساء الأمهات تحديدًا نفسيًا وصحيًا.

اقرأ أيضاً...

إن مظاهر عدم المساواة بين الجنسين تحد من قدرة النساء والفتيات على التحكم فى القرارات التى تنظم حياتهن، كما تحدّ من إمكانية حصولهن على الموارد الضرورية من قبيل الغذاء والمياه والمقدرات الفلاحية والأراضى والطاقة والتكنولوجيا والتعليم والخدمات الصحية والسكن اللائق والحماية الاجتماعية والعمل، وهو ما يعوق قدرتهن على التأقلم مع التغيرات المناخية.

إلى جانب النساء، يتعرض الأطفال أكثر من الفئات العمرية الأخرى لتهديدات تأثيرات التغيرات المناخية، وذلك لضعف البنية الجسدية والصحية لديهم، كما يتعرضون بشكل خاص للخطر، حيث يتأقلمون ببطء أكثر مع ارتفاع معدل درجات الحرارة، لذا فهم أكثر عرضة للمخاطر الصحية المرتبطة بالحرارة، وخاصة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنة.

كما يعتبر الرضع والأطفال الصغار أكثر عرضة للموت أو المعاناة من ارتفاع الحرارة. وهنا لا يفوتنا أن أكبر تغيرات المناخ هو ارتفاع الحرارة، وهو تغير أسهم فى تغيرات أخرى مست جيولوجيا الأرض.. ناهيك عن الجفاف والكوارث الطبيعية، حيث تمثل الفيضانات تهديدًا على حياة الأطفال ونموهم من دون أن ننسى ما التهمته الفيضانات من أطفال جرفتهم وهم يتنقلون إلى المدرسة البعيدة جدًا عن مقر سكنهم الفقير.

لنقل صراحة إن الهشاشة المهيمنة والمقصودة هى هشاشة الفقر؛ فالنساء ذوات الاستقرار الاقتصادى أقل تضررًا من النساء الفقيرات، والأطفال الفقراء أكثر ضحايا تغيرات المناخ من الأطفال الذين ينتمون لعائلات غنية أو متوازنة اقتصاديًا.

وفى الحقيقة، فإن النقاش حول قضايا تغيرات المناخ إنما بات من تاريخ اتفاق باريس 2015 موضوعًا اجتماعيًا وحقوقيًا بامتياز، حيث يهدد تغير المناخ التمتع الكامل والفعلى بمجموعة متنوعة من حقوق الإنسان. وقد وردت الإشارة المباشرة الأولى إلى حقوق الإنسان بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ فى سنة 2010، وذلك فى قرار مجلس حقوق الإنسان 10/4 الذى يعترف بالآثار الضارة لتغير المناخ على التمتع الفعلى بحقوق الإنسان، ويدعو الدول إلى ضمان احترام حقوق الإنسان عند اتخاذ إجراءات لمواجهة تغير المناخ.

لتكن قمة المناخ فى مصر فرصة أكثر من القمم الماضية للتعبير عن الفئات الهشة.. ولتكن أيضًا إطارًا يجعل من الضحايا فاعلين فى المعالجة، ويحول وجهة تغييرات المناخ من مشكل إلى آلية وحل لمعالجة أوجه عدم التمييز وتحقيق المساواة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضحايا تغيرات المناخ ضحايا تغيرات المناخ



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز

GMT 03:47 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ثعلب وسنجاب بطلا أفضل صورة للحياة البرية لعام 2019

GMT 11:48 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

شخصيات في حياة أحمد زكي والعندليب

GMT 00:01 2013 الأحد ,09 حزيران / يونيو

فقمة القيثارة مخلوق غريب لايتوقف عن الأبتسام

GMT 12:14 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السعادة المؤجلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib