اللحظة اقتصادية حتى النخاع

اللحظة اقتصادية حتى النخاع

المغرب اليوم -

اللحظة اقتصادية حتى النخاع

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

عندما تكون اللحظة اقتصادية والمشكلات المهيمنة ذات صبغة اقتصادية، فهذا يعني آلياً ونظرياً أن توظف كل الطاقات والجهود لإيجاد الحلول اللازمة وابتكار الأفكار والسعي إلى التجديد قدر الإمكان لضمان حياة الناس ورزقهم.
لقد ضربت جائحة «كوفيد 19» الحياة الاقتصادية، وعاشت المجتمعات أزمة متعددة الأبعاد نفسياً وصحياً واقتصادياً. فهذه الجائحة تمثل أزمة حقيقية أثّرت بشكل عميق، وستُسند لها صفحات في كتابة تاريخ الإنسانية المعاصر.
ولم يتوقف أمر الأزمات عند الجائحة فقط، ذلك أنه عندما خفت وتيرة «كوفيد 19» وبدأ العالم يسترجع أنفاسه، اشتعل فتيل الحرب الروسية - الأوكرانية، وهي حرب ضربت الاقتصادات بقوة، وجعلت أسعار المحروقات ترتفع، والمواد الغذائية تصبح شحيحة، وأطاحت هذه الحرب بالحسابات المالية والاقتصادية عرض الحائط.
الآن السؤال؛ ما أولوياتنا في اللحظة التي يشهد فيها العالم تضخماً قاسياً، والقمح أصبح مضاعفاً في أثمانه؟
طبعاً، الحديث عن الاقتصاد تحول إلى معطى ثابت في الإعلام والحوارات والنقاشات بين الناس، وإن كان الغالب على هذا النقاش السطحية والتسييس.
ما يستدعي الانتباه إليه بوضوح شديد هو أن المعاناة اليوم اقتصادية. ومن فرط عمق الأزمة الاقتصادية أنها أصبحت تعبر عن نفسها بوضوح أكبر اجتماعياً. فاليوم الفقر في اتساع، والتأزم العائلي بسبب ضيق ذات اليد والعجز عن مواجهة المصاريف أكبر وأكبر، وهو ما انعكس في ضياع الأطفال، وفي ارتفاع عدد حالات الطلاق، وفي تدهور النسق القيمي بشكل ملحوظ.
يقول خبراء الاقتصاد والمال إن السنوات المقبلة ستكون صعبة اقتصادياً، وهو ما يعني أن بلوغ أهداف الخطة الأممية بات مهدداً أيضاً.
يعيش عالمنا العربي وبلدان عدة صعوبات في التأقلم مع المتغيرات والأحداث المستهدفة لجيب المواطن وقوته ولقمته ولقمة أطفاله. حتى ما أصاب العالم في السنوات الأخيرة من ارتفاع في نسبة العنف وعدد ضحاياه إنما يعود في جزء أساسي منه إلى السبب الاقتصادي، إذ إن الإكراهات الاقتصادية مولدة للعنف خاصة في حالات العجز والبطالة.
ماذا يعني هذا التحليل والإلحاح على الطبيعة الاقتصادية لغالبية المشكلات التي تشهدها بلداننا والعالم؟
المعنى باختصار أن اللحظة اقتصادية بامتياز وأن الذكاء وحسن التشخيص يقتضيان قراءة المشكلات الاجتماعية بعين اقتصادية وإخضاعها للمقاربة المادية الاقتصادية.
من هذا المنطلق، فإن الانشغال بالاجتماعي وفصله عن الاقتصادي لن يضيف شيئاً غير إهدار الوقت والجهد.
ما نحتاجه اليوم هو إعلان لحظة استنفار اقتصادية وتشجيع الطاقات والنخب لإظهار الملكة الاقتصادية. بل إن طبيعة هذه اللحظة العالمية ذاتها لا تعترف إلا بالعمل والاجتهاد في العمل وفي التنافس في خلق الثروة، ما أصبح أكثر صعوبة بحكم التحديات الجديدة وتداعياتها في السنوات المقبلة.
وبالنسبة إلى البلدان العربية، فإن التعويل على الذات ومواجهة المشكلات المفاجئة وتعزيز الصمود يتطلب خلق بدائل والتنويع في الحلول الاقتصادية وإزالة العقبات المانعة لخلق الثروة.
إن الالتفاف حول حقيقة اللحظة الدولية الراهنة والإجماع حول طبيعتها يعنيان عملياً مقاربة كل التفاصيل والمواقف والأحداث ومجريات الوقائع، وفق نظرة اقتصادية. بمعنى آخر، يصبح المقياس في تقدير كل شيء هو التكلفة الاقتصادية.
ويبدو لنا أن للعالم العربي إمكانات تمكنه من التموقع جيداً في الزمنية الاقتصادية، وعلى رأس هذه الإمكانات رأس المال الشبابي الذي نمتلكه ونسبة التمدرس المقبولة وتدرج مجتمعاتنا نحو قيم جديدة وقطع خطوات في مجال التحديث واكتساب قيم جديدة.
طبعاً من المهم التوقف عند إيلاء ثقافة العمل وبذل الجهد الأهمية اللازمة، إذ لا خلق للثروة خارج العمل بالساعد أو الفكر. كما التشبع بتجارب العالم النامي في قصص خلق الثروة وتحقيق التنمية من الخاصيات التي لا بد من اكتسابها والانخراط بقوة فيها، لأننا في غالبيتنا لا نجيد التعامل مع الثروة، ولا نكترث بكيفية تنميتها والمحافظة عليها والبناء عليها. وكي ندرك فداحة هذه المشكلة يكفي أن نعاين السلوك الاستهلاكي في مجتمعاتنا، وحينها سنعرف إلى أي حد نحن بحاجة ملحة إلى الاشتغال ثقافياً واتصالياً على عقلنة السلوك، ذلك أن إهمال هذا الجانب يعني عملياً أننا سنهتم بخلق الثروة من دون أن نعاضد ذلك بشرط أساسي يتمثل كما أسلفنا في المحافظة على الثروة وتنميتها.
عندما تدرك مجتمعاتنا أن اللحظة اقتصادية حتى النخاع، وترفع المضامين المدركة من العفوي الملاحظ إلى العقل ليقول كلمته ويصدر توجيهاته للسلوك... ساعتها نبدأ في انتهاج الطريق الصحيحة نحو استحقاقات لحظة اقتصادية قلباً وقالباً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللحظة اقتصادية حتى النخاع اللحظة اقتصادية حتى النخاع



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:57 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الاستهتار" يدفع حكم لقاء سبورتنغ والطيران لإلغاء المباراة

GMT 03:43 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء يعثرون على مقبرة اللورد "هونغ" وزوجته في الصين

GMT 19:20 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

سعد الدين المرشّح الأقوى لمنصب رئيس البرلمان المغربي

GMT 11:14 2015 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

سيارات نيسان الكهربائية تمد المنزل بالطاقة

GMT 04:18 2016 الإثنين ,16 أيار / مايو

أم لستة أطفال تستخدم الخضروات في أعمال فنية

GMT 00:57 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة أم يحيى تكشف عن حقيقة السحر وأسرار الأعمال السفلية

GMT 12:56 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد والترجي الجمعه في أقوى مواجهات الجولة الرابعة

GMT 15:43 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مارسيلو يخالف لاعبي الفريق الملكي بشأن زميله بنزيمة

GMT 02:00 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة عطور جديدة من "Trouble in Heaven Christian Louboutin"

GMT 12:37 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

الوداد المغربي يُخصص تذاكر خاصة لجماهير المغرب الفاسي

GMT 15:54 2019 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

شركة أميركية تطرح هاتفا ذكيًا بسعر "استثنائي" في المغرب

GMT 04:45 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

الملا يكشف عن علاج مرض بطانة الرحم المهاجرة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib