في أنّ قوّة «حلّ الدولتين» نابعة من استحالة بدائله

في أنّ قوّة «حلّ الدولتين» نابعة من استحالة بدائله

المغرب اليوم -

في أنّ قوّة «حلّ الدولتين» نابعة من استحالة بدائله

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ليس من السهل تكبير الحظوظ الضئيلة التي يتمتّع بها «حلّ الدولتين». فعلى الأقلّ، هناك الوطأة الثقيلة للمستوطنين المسلّحين في الأراضي المحتلّة، وهناك الافتقار إلى أداة سياسيّة فلسطينيّة تكون شعبيّة وديناميّة معاً. وبالطبع، هناك الكراهية المتبادلة التي زادتها الأشهر الفائتة أضعافاً مضاعفة.

لكنْ أليس دالاًّ أنّ الطرفين المتصارعين، الحكومة الإسرائيليّة و«حركة حماس»، لا يملكان أيّة خطّة لما بعد الحرب، ما يجعل هذا الافتقار قاسماً مشتركاً بينهما؟ أولا يقول هذا أنّ الحرب الدائمة، أو ما يشبهها من صِيغ تعلّق السياسة وتستبعدها، قد تكون هي تحديداً «خطّتهما»؟

يمكننا أن نجادل بأنّ حلّ الدولتين قد يكون ممكناً، ليس بسبب قوّته، وهو ضعيف جدّاً، بل قياساً بكل «الحلول» الأخرى، بالمعلَن منها والمُضمَر. فالحرب الدائمة ليست بطبيعة الحال حلاًّ، إذ لا سكّان المنطقة ولا اقتصادات بلدانها ولا صبر العالم الخارجيّ، العربيّ والدوليّ، في وارد القبول بـ«حلّ» كهذا وبالتعايش معه.

لكنّ حسم الحرب بمعنى جذريّ، وبما يُنتج وضعاً جذريّاً من الانتصار والهزيمة، ليس بدوره حلاًّ، ولن يكون، في أغلب الظنّ، كذلك.

فانتصارٌ إسرائيليّ كاسح، حتّى لو تحقّق عسكريّاً وقضى على احتمال الدولتين، لن يوفّر هذا الشرط كلّيّاً وعلى نحو مستدام: ذاك أنّه داخل إسرائيل نفسها يتزايد الشكّ بالعيش إلى ما لا نهاية «بالسيف»، وإسرائيل سوف تكون محكومة، في ظلّ وضع كهذا، لأن تعيش بالسيف إلى ما لا نهاية. وعلى هذا النحو ستعيش خائفة مرعوبة: خائفةً من نسبة سكانيّة عربيّة تتجاوز خُمس المجموع السكّانيّ الإسرائيليّ، وذات نسب إنجاب أعلى من متوسّط النسب اليهوديّة، وخائفة من طموحات التحرّر المشروع والغضب الملازم لقمع تلك الطموحات عند فلسطينيّي باقي فلسطين التاريخيّة، وخائفة من أن لا تكون لديها صداقات في جوارها العربيّ، ومن أن يتنصّل أصدقاء حاليّون من تلك الصداقة المحرِجة، وخائفة من تحوّلات العالم التي لا تهبّ لصالحها، وخائفة بالتالي من كلّ جيل شبابيّ جديد في الولايات المتّحدة وفي أوروبا، حيث يتزايد الطلب على العدل والمساواة ويقلّ الطلب على القوّة والغطرسة، بل خائفة كذلك من استعداد الأنظمة الغربيّة نفسها للمضيّ في دعمها إن لم تندرج في عمليّة سلميّة جدّيّة. ولن يكون في وسع الدولة العبريّة طرد خوف آخر سببه أن يعجز اقتصادها عن تمويل حالتها الحربيّة المتأهّبة دائماً والمستنفَرة إلى الأبد، ونعرف أنّ عجزاً كهذا كان في رأس الأسباب التي تأدّى عنها نزع الاستعمارات الأوروبيّة بعد الحرب العالميّة الثانية. لكنْ في الحالة الإسرائيليّة تحديداً، قد ينجرّ عن التباطؤ الاقتصاديّ تسارع في النزاعات الداخليّة اليهوديّة – اليهوديّة، وهو ما سبق لتظاهرات ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي السبتيّة أن زوّدتنا بأجلى صوره.

أمّا الانتصار الكاسح على إسرائيل وإفضاؤه إلى ما يسمّيه الكلامُ السهل «تحرير فلسطين» فهو أيضاً ليس حلاًّ. فالإسرائيليّون، في آخر المطاف، يملكون سلاحاً نوويّاً مُعدّاً لاحتمالات فنائيّة كهذه. لكنْ قبل ذلك، ما هو النظام الذي تعد به منظّمة كـ«حماس» شعبها في حال انتصارها الحاسم، وما هي صيغتها للتعامل مع يهود فلسطين؟ وهل تحتمل المنطقة والعالم انتصاراً حمساويّاً من هذا النوع؟ وما الأثر الذي يتركه ذلك على التركيب الفسيفسائيّ والمحتقن طائفيّاً وإثنيّاً في منطقة المشرق العربيّ؟ وقد نضيف أنّ أيّة إعادة إعمار لغزّة تعطّل هذا الانتصار، وقد تلغيه، تبعاً لطبيعة القوى القادرة على تمويل إعادة الإعمار، والمتنافرة كلّيّاً مع طبيعة الحركة الإسلاميّة.

والحال أنّ الأفق سيكون كالحاً جدّاً كيفما قلّبناه، ولأنّه كذلك رأينا المؤرّخ الإسرائيليّ موشي زيمرمانّ، المعارض لأفعال حكومته، يصف البديل عن حلّ الدولتين «المنطقيّ» بعمل يكون من طبيعة نازيّة يُنزله الإسرائيليّون بالفلسطينيّين أو يُنزله الفلسطينيّون بالإسرائيليّين.

والماضي لا يشجّع على أيّ افتراض معاكس. فالحروب في العالم العربيّ تعاقبت على خوضها طبقات وجماعات شتّى: من طبقة الأعيان التقليديّين في 1948 إلى جيوش الطبقة الوسطى في 1967 و1973 إلى القوى الشعبويّة والدينيّة في القرن الحاليّ. وقد انتهت التجارب تلك على نحو مفجع، قلّلَ على نحو منتظم عدد المشاركين في الحروب دولاً وشعوباً. والأمر نفسه تقريباً يمكن قوله عن إسرائيل التي قاتلت بالعصابات الصهيونيّة في 1948 ثمّ قاتلت في الحروب اللاحقة بدولة يهيمن على قرارها الإشكناز الأوروبيّون، واليوم تقاتل بدولة يشارك في الهيمنة على قرارها الشرقيون، السفرديّون والمزراحيّون، وأحزاب التعصّب الدينيّ والقوميّ. ولا يزال التهديد ماثلاً في الأفق الإسرائيليّ بدرجات تفوق سابقاتها، ومعه تُطرح أسئلة لم تُطرح قبلاً حول قدرة الصهيونيّة على أن تكون علاجاً للمسألة اليهوديّة.

صحيح أنّ الحجّة السلبيّة التي تؤكّد على انسداد البدائل الأخرى، وعلى بشاعتها، ليست كافية للبرهنة على صحّة خيار ما وعلى عمليّته، خصوصاً في ظلّ الضعف الذي ينتاب قوى السلام والمدافعين عن «حلّ الدولتين» في الجانبين. لكنّ الحجّة السلبيّة، مع هذا، قد تساعد في تقديم شهادة أخرى عن مرحلة سوداء إن لم تنجح في تقديم برهان على احتمال مغادرتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في أنّ قوّة «حلّ الدولتين» نابعة من استحالة بدائله في أنّ قوّة «حلّ الدولتين» نابعة من استحالة بدائله



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:26 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الفنان عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة
المغرب اليوم - الفنان عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة

GMT 10:36 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

أسرع طريقة للتخلص من كل مشاكل شعرك بمكوّن واحد

GMT 17:44 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

المدرب دييغو سيميوني يحصد جائزة "غلوب سوكر ماستر كوتش"

GMT 03:05 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

"سوق كوم" تندمج في "أمازون"

GMT 16:13 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

الإعلان عن موعد قرعة دور الـ16 في دوري أبطال أوروبا

GMT 11:48 2016 السبت ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخصين وإصابة آخرين إثر حادث سير مروّع في الجديدة

GMT 21:38 2016 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة أقدم باندا عملاقة في العالم عن عمر 38 عامًا

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى الطوسي تقدم الزي المغربي التقليدي بشكل عصري أنيق

GMT 12:58 2023 الأحد ,28 أيار / مايو

منتجع في المالديف يمتد عبر جزر مختلفة

GMT 10:21 2022 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هزة ارضية قوية تضرب الناظور و نواحيها

GMT 17:17 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاقُ نظام فضائي لاتصالات الجيلِ الخامسِ الجوالةُ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib