في وداع الإنسان الكاره

... في وداع الإنسان الكاره

المغرب اليوم -

 في وداع الإنسان الكاره

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

أستميح القارئ عذراً لاستشهادي بمقال قديم لي جاء فيه أنّ العونيّة خلاصة كراهيّات عدّة...
- كراهيّة لـ«القوّات اللبنانيّة» في داخل الطائفة المسيحيّة نفسها.
- كراهيّة للطائفة السنّيّة؛ خصوصاً بسبب رفيق الحريري ودوره السياسي والاقتصادي الكبير.
- كراهيّة للطائفة الدرزيّة، هي امتداد لـ«حرب الجبل» في الثمانينات ولأحقادها.
- كراهية للسوريين انصبّت في البداية على نظام الأسد، بسبب الوصاية و«حرب التحرير»، ثمّ استبدلت بها منذ 2005، وخصوصاً منذ 2011 واللجوء السوريّ، كراهيّة للشعب السوري في عمومه.
وإذا كانت الكراهيّة، من حيث المبدأ، إحدى أسوأ الصفات في البشر، فهذا ما يجعل العونيّة القاسم المشترك الأدنى بين اللبنانيين ممن ترفع الطائفيّة استعداداتهم لأن يكونوا كارهين. وهو نفسه ما يجعل كلّ ظاهرة تشبه الطائفيّة قاسماً مشتركاً أدنى بين الشعب الذي تصدر عنه ظاهرة كهذه.
لهذا فحين يحكم الكاره بموجب برنامجه في الكراهيّة، فإنّه لا يملك إلا مخاطبة الغرائز الأولى.
فهو أصلاً يقسم الشعب، الذي يُفترض أنّه واحد، إلى أصدقاء وأعداء، فيكون الأوّلون هم «الشعب العظيم»، أو «أشرف الناس»، الذين يتماهى معهم الوطن والوطنيّة، فيما يُرسم الآخرون خونة ومرتزقة وفاسدين وما إلى ذلك. وفي هذا المعنى، كانت السياسة في عهد عون أقرب ما تكون إلى معادل صافٍ للهويّة وسياساتها، أي ما يُفترض بالسياسة أن تذلّله وتتغلّب عليه.
وإذ تتحكّم الأمزجة والعواطف بتلك السياسة، فيُستغنى عن المضمون الضعيف أصلاً، وعن الإنجاز الذي يصعب التأكّد من وجوده، تُدفع الحياة السياسيّة دفعاً إلى مصاف التنازع العصبي والدمويّ، على طريقة «معنا» و«ضدّنا» دائماً وبإطلاق. أمّا المؤسّسات التي يُفترض بها، بين أمور أخرى، رفع سويّة الاجتماع الوطنيّ، فتغدو تحزباً وانحيازاً جلفين، على ما باتت عليه حال القضاء اللبناني في هذا العهد الآفل.
يكمّل هذه التشكيلة العونيّة وجود نخبة «متعلّمة» أو «ثريّة» تقف على رأس مهنيين وكوادر يوصفون بـ«النجاح»، أو بأنّهم «أوادم»، إلا أنّ صلتهم بالسياسة أوّليّة جداً، إن لم تكن معدومة.
ولأنّ الغرائز لا تملك أي وعد إيجابي للمستقبل، تغدو السياسة دوراناً حول الماضي بوصفه راسم الخطى والمسارات، وبما يشبه الدوران الجزائري حول الحقبة الكولونياليّة (الذي تقلّص مؤخّراً إلى سجال حول الجماجم واستعادتها). لهذا لا نجد بعد 6 سنوات من العجز والفشل الفضائحيين، سوى «وعود» من طينة «العودة» إلى ما قبل الطائف أو إلى ما قبل اللجوء السوري إلى لبنان، وتغدو «القوّة» التي «جسّدها» عون، أو التي «مُنع» من تجسيدها، هي ما تعالَج به الحياة السياسيّة! ذاك أنّ «الحقوق»، وهي هنا «حقوق المسيحيين»، لا تُستعاد بغير القوّة، ما يجعل التبادل السياسي أقرب إلى حرب أهليّة دائمة.
وتماماً، وكما في حالة شعبويين كثيرين، تكون العناوين الكبرى، التي توصف بالمبدئيّة، ستاراً لأطماع صغيرة، وصغيرة جداً. أمّا في الوضع الذي نحن بصدده، فالأمر لا يعدو كونه وصولاً متأخّراً إلى حلبة «الحصص»، كما ارتسمت وارتسم تقاسمها في 1990. وككلّ وصول متأخّر، تظهر شهوة السلطة والفساد مضخّمة ومُكبّرة، علاوة على انطوائها على جلافة يعبّر عنها، هنا، دور الصهر جبران باسيل في السلطة.
هذه التوجّهات زكّاها أنّ ميشال عون رجل أزمات وحالات استثنائيّة على نحو لم يعرفه أي سياسي آخر في التاريخ اللبناني الحديث. فولادته السياسيّة الأولى أواخر الثمانينات ارتبطت بأزمة عميقة رافقت نهاية عهد أمين الجميّل، ثمّ تلتها الحروب التي استمرّت حتّى نفيه إلى فرنسا. أمّا ولادته الثانية، مع بلوغه رئاسة الجمهوريّة، فجاءت تتوّج أزمة سياسيّة ودستوريّة أخرى، حتّى توهّم كثيرون أنّ وصول عون إلى الرئاسة هو نفسه حلّها الوحيد. واليوم إذ يغادر الرئاسة، فإنّه يضع لبنان كلّه في قلب أزمة قد لا يتوفّر أي مخرج منها. ولا يكون مبالِغاً من يقول إنّ سنواته الستّ تركت البلد، لأوّل مرّة، وجهاً لوجه مع الطبيعة وعريها وعللها، بل جراثيمها أيضاً، فيما تكاد تنعدم العلاجات والمناعات المتوفّرة.
لكنّ عون يغادر قصره محتقناً ومقهوراً.
فأصلاً، تكاد تستحيل الزعامة الشعبويّة ذات النطاق الوطني في لبنان، بسبب التركيب الطائفي الذي يفتّتها ويوزّعها شعبويّاتٍ عدّة على طوائف عدّة. أمّا الاستقرار على معنى واضح للشعبويّة فيستبعده مسار العونيّة ذاتها، هي التي انطوت على درجة من التقلّب والانتهازيّة تفوق ما هو معهود في عموم الحركات الشعبويّة. ذاك أنّ الأوصاف تنكفئ حين ينتقل الموصوف من بشير الجميّل إلى بشّار الأسد وحسن نصر الله.
لكنّ الأهمّ، وهنا تظهر مشكلة قاتلة أخرى في العونيّة، أنّ التبعيّة لزعيم «حزب الله» إنّما تنفّس الانتفاخ العوني، وتردّ صاحبه عشرات السنين إلى الوراء حين كان ضابطاً ينفّذ الأوامر. وبعد كلّ حساب، فالرجل باتت تعوزه الهمّة، وهو أصلاً ضعيف الكاريزما، فيما وريثه وصهره جبران لا يزال مضطراً، كلّما تحدّث، لأن يجيب عن سؤال يسبق أسئلة السياسة والمسؤوليّة؛ كم عمر هذا الشابّ الناهد إلى المجد والعلا؟
وعلى العموم، هي 6 سنوات سود لم يكن في وسع عون وحده أن يسوّدها إلى هذا الحدّ. فقد تضافرت جهود كثيرين حتّى بات السواد كثيفاً وغليظاً وقابلاً لأن يصبغ سنوات مديدة مقبلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 في وداع الإنسان الكاره  في وداع الإنسان الكاره



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib