إذا انتصرت إسرائيل إذا انتصرت «حماس»

إذا انتصرت إسرائيل... إذا انتصرت «حماس»...

المغرب اليوم -

إذا انتصرت إسرائيل إذا انتصرت «حماس»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ليس حتميّاً، بطبيعة الحال، أن يحصل أيّ من الاحتمالين الواردين في العنوان، والأدقّ أنّ انتصار طرف ما، في حال حصوله، لن يأتي صافياً منزّهاً عن مشاركة شركاءٍ أو عن ضغوط تمارسها أطراف ثالثة.

مع هذا فالمُراد من وراء العنوان، بما ينطوي عليه من احتمالات قصوى، هو رسم قياسات ومعايير نتبيّن على ضوئها الخيارات المتاحة أمام منطقة المشرق العربيّ، وهي كلّها خيارات تعيسة أنتجتها هذه الحرب القاتلة.

فإذا انتصرت إسرائيل عمّت الفكرة الرهيبة القائلة إنّ القوّة هي وحدها الحقّ، وإنّ التقنيّة العمياء تغلب البشر وتتقدّم عليهم وعلى حياتهم. وبالنتيجة تشيع في المنطقة كلّها حالة ذهنيّة شديدة الخطورة وبعيدة الأثر وذات طبيعة عبوديّة مفادها أنّ المخاطبة الوحيدة للعرب تتمّ عبر تخويفهم وبثّ الرعب فيهم، فهم ليس مطلوباً منهم إلاّ أن يخافوا لأنّهم لا يفهمون من اللغات إلاّ لغة الخوف.

تترتّب عن هذه المقدّمة هرميّات عنصريّة مفادها أنّ الإنسان الإسرائيليّ أهمّ بإطلاق من الإنسان الفلسطينيّ، والعربيّ تالياً، وأنّ الطفل الإسرائيليّ أهمّ من الطفل الفلسطينيّ. فمقتل الأخير يمكن أن يحدث لسبب أو آخر غير أنّ مقتل الأوّل ينبغي طرده حتّى من الأحلام. ولسوف تتّخذ «الحرب الحضاريّة» التي يسعى إليها جميعُ المتحاربين شكلاً احتقاريّاً لثقافة العرب ولقيمهم، شكلاً لا يدانيه التمييز بحيث يتساوى عنده أبو العلاء المعرّي وأسامة بن لادن، وهو ما لا يُستبعد أن يرافقه سلوك عدوانيّ مباشر حيال أفراد أو جماعات من العرب، يظهر هنا أو هناك. وفي المقابل، سوف يجد المهزومون والمُحبَطون بالنصر الإسرائيليّ ثأرهم الوهميّ في الاستنجاد بالخرافات اللاساميّة، وهو أيضاً ما قد يرافقه سلوك عدوانيّ حيال أفراد أو جماعات من اليهود، يتأدّى عنه نوع من التطابق بين خصومة الدولة العبريّة واللاساميّة.

أمّا على الصعيد السياسيّ، وعلى رغم تفاؤل بعض المتفائلين، فالمُرجّح أن تتعطّل أو تتجمّد التسويات على صعيد المنطقة، بينما يغدو أيّ سلام مطروح على الفلسطينيّين أقرب إلى استسلام صريح بلا أيّ تمويه. ويجوز الافتراض، والحال هذه، أن يمضي المستوطنون اليهود في الضفّة الغربيّة في عمليّات قضم الأرض وسرقتها، مع أعمال طرد أخرى تطال الفلسطينيّين أصحاب الارض. ومَن الذي يستطيع أن يضمن، في هذه المنطقة الولاّدة للعصبيّات، أن لا يكون شرق الأردن، وربّما جزئيّاً لبنان وسوريّا، مسارح لمجموعة أخرى من «حروب الأخوة»؟

وأمّا محاسبة بنيامين نتانياهو على سياساته وإخفاقاته، فيُستبعَد جدّاً أن تغدو محاسبة لنهج عدوانيّ ليس نتانياهو غير وجه من وجوهه الكثيرة. والحال أنّ تلك المحاسبة، مصحوبة بفكرة القلعة الآمنة والمتفوّقة، قد تفضي إلى مزيد من تحصين العجرفة الإسرائيليّة وتعزيز التشاوف الشوفينيّ الواثق.

وفي المقابل فإنّ انتصاراً تحقّقه «حركة حماس» سوف يجدّد التعامل مع «التحرّر الوطنيّ» بوصفه صراعاً أحاديّاً مع محتلّ غريب، أمّا طريقة الحكم التي تُفرض على الفلسطينيّين فلن يلحظها الاهتمام ولن تستوقف أحداً. ومن الحرّيّات على أنواعها إلى التعليم سوف يسود العتم والتضييق اللذان تزيدانه بشاعةً أحوال الفقر والبؤس ممّا ضاعفته الحرب بنسبة فلكيّة. وفي موازاة انعدام حساسيّة الطرفين المتحاربين حيال المدنيّين وموتهم، والمقاوِمُ والغازي يحقّ لهما ما لا يحقّ لغيرهما، تنعدم الحساسيّة حيال المرأة التي بدأت بيئة المقاومات تعلنها آلة للإنجاب في معركة «الجهاد الديموغرافيّ». وقبل أن تنتصر «حماس» راحت تتكاثر الإشارات إلى مكارثيّة تشهّر بمن لا يقول قولها ويفعل فعلها، وصولاً إلى وثنيّة الإشارات والرموز كالتقيّد بمصطلحات معيّنة في وصف «العدوّ»، وبمراتب ناجزة في وصف أحوال الموت. والشيء نفسه يصحّ في تعطيل ندوات ومحاضرات في الجامعات التي يُفترض أنّها أمكنة النقاش، وتالياً التشهير بالأساتذة الذين ينظّمونها بوصفهم «صهاينة».

وبهذه الترسانة التي يجتمع فيها كلّ ما هو متخلّف ورجعيّ تحت الشمس، ستخوض بنا «حماس» والمعجبون المتكاثرون بتقدّميّة أبي عبيدة «حرباً حضاريّة» تمضي في عزلنا عن العالم ومنجزاته بحجّة انحياز دوله إلى إسرائيل، وبالطبع لن تفوتها الثقة بانتصارنا في تلك الحرب!

ولسوف يغدو المشرق العربيّ، الذي توصد في وجهه التسويات من أيّ نوع كان، منطقة حروب دائمة عبر الحدود وفي داخل كلّ حدود، فتتناسل الكراهيّات وتختلط الأمور على نحو شوربائيّ بينما تنفرد طهران بفرك يديها فرحاً وحبوراً.

وسيكون انتصار «حماس»، إلى ذلك، مشروع تأجيل لكلّ ما هو تحرّريّ أو تقدّميّ في المنطقة. ولن يعوزنا الانتباه إلى أنّنا، منذ «طوفان الأقصى»، لم نعلم شيئاً عن أعمال قمع في إيران وعن أعمال قتل في سوريّا وعن أعمال نهب يتعرّض لها اللبنانيّون الذين باتوا لا ينتظرون إلاّ خطاباً يلقيه من يخبرهم فيه ما يلزم أن يعرفوه عن حياتهم وموتهم...

وهذا بعض ما قد يرزقنا به «طوفان الأقصى» حين يندفع إلى نهاياته، مُعمّماً يميناً عنصريّاً لئيماً وبارعاً في قتل الأطفال وشعبويّةً متعصّبة كارهة للحياة والعقل والحرّيّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إذا انتصرت إسرائيل إذا انتصرت «حماس» إذا انتصرت إسرائيل إذا انتصرت «حماس»



GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 07:32 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأميرة آن تُغير لون شعرها للمرة الأولى منذ 50 عاماً
المغرب اليوم - الأميرة آن تُغير لون شعرها للمرة الأولى منذ 50 عاماً

GMT 19:11 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

محمود حميدة يكشف تفاصيل شخصية "ياسين" في مسلسل موعد مع الماضي
المغرب اليوم - محمود حميدة يكشف تفاصيل شخصية

GMT 12:20 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

جو بايدن يدعو الأميركيين إلى التوحد من أجل مصلحة البلاد
المغرب اليوم - جو بايدن يدعو الأميركيين إلى التوحد من أجل مصلحة البلاد

GMT 06:13 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

شرطة سيدي يحيى الغرب توقف تاجري مخدرات

GMT 12:55 2022 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

عموتة يحذر لاعبي الوداد من فخ اتحاد طنجة

GMT 12:46 2022 السبت ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع أسعار الدجاج والخضروات يُثير غضب المغاربة

GMT 02:18 2022 الأحد ,30 كانون الثاني / يناير

بنيت يؤكد أن "إسرائيل" قررت ضرب رأس "الأخطبوط الإيراني"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib