لبنان أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة

لبنان: أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة

المغرب اليوم -

لبنان أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

يرى مشككون لا يخلون من الحكمة أن من أقبح ما أنتجته نهاية «الحرب الباردة» حكاية تأسيس ثقافة «الديمقراطية الانتخابية» في بعض دول «العالم الثالث». ومن ثم، إقناع هذه الدول بأن العديد من آفاتها السياسية والاجتماعية «ستتلاشى» بمجرد إنشاء أحزاب، وتنظيم تظاهرات انتخابية، والتغنّي بنعم الخيار الحر!
كثيرون من ساسة العالم الكبار كان لديهم هذا الانطباع المخلص... أو الساذج. إلا أن نفراً من الساسة العقلاء في كل من الدول الغربية ودول «العالم الثالث» كان ولا يزال أكثر واقعية من أن تنطلي عليه هذه اللعبة. وكانت النتيجة أن هؤلاء «الواقعيين» ساروا بها وأتقنوا التلاعب في جزئياتها، وفي نهاية المطاف... حصلوا منها على الغطاء السياسي الذي يناسب مصالحهم.
أكثر من هذا، لاحظنا أن غريزة البقاء من ناحية، وخبرة الحكم الاستبدادي الطويلة من ناحية ثانية، منحتا أفضلية كبرى لديكتاتوريات «العالم الثالث» - بل حتى «العالم الثاني» (أي جمهوريات الاتحاد السوفياتي ودول «الكتلة الشرقية» سابقاً) - في وجه تواضع تجربة دعاة الحريات ومثالية المناضلين الأغرار المنادين بالديمقراطيين. بل إن حتى هؤلاء انتهوا في معسكر أولئك الذين أسكرهم رحيق السلطة عندما وصلت إليهم نعمتها.
وفي المقابل، لئن لمسنا وجود تحوّلات ديمقراطية لا تُنكَر في عدد من دول «العالم الثالث» و«الكتلة الشرقية» سابقاً، فإن كثيرين باتوا يطرحون الآن علامات استفهام حول مدى رسوخ المفاهيم الديمقراطية، ونجاعتها والإجماع الوطني عليها في دول عريقة بتجاربها الديمقراطية، كالولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا الغربية، حيث تتنامى النزعات الشعبوية المتطرفة والعنصرية والانفصالية.
هنا، قد يجادل المراقب منا، أولاً بشأن مدى تماسك المؤسسات الديمقراطية في هذه الدول المتقدمة الراقية أمام التأثير الذي تتمتع به وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية والتضليلية، التي تملكها وتديرها كتل المصالح على الناس، وقدرتها اللامحدودة واللامسؤولة على تحريضهم وتحريكهم.
وإذا كانت الدول الغربية «الديمقراطية» قد ألفت اليوم مشاهد الهجوم على مبنى الكونغرس الأميركي، ومظاهرات الجماعات المشكِّكة بلقاحات «كوفيد - 19»، والتعديات المقلقة على الأفراد والمؤسسات التي يشنها أتباع «نظريات المؤامرة»... أليس من حقنا أن نطرح بعض التساؤلات؟
أهم هذه التساؤلات يتمحور حول «صدق» اقتناع قادة الدول الديمقراطية الكبرى بإمكانية نشوء ما يدعون إليه من شعارات وممارسات في كيانات لم تعتَد يوماً على تجاربهم ومبادئهم وممارساتهم؟
... واستطراداً – في ضوء العديد من التجارب على الأرض – هل يؤمن هؤلاء القادة وحكوماتهم فعلاً، بحق كل الشعوب بأن تختار مصائرها بحرية... بعيداً عن بطش السلاح وإغراءات المصالح الاقتصادية؟
بل هل كل الشعوب – وفق قناعات هؤلاء القادة – تستحق أن تكون حرة وسيدة ومستقلة... فلا تعقد على حسابها، وفوق إرادتها، صفقات استنسابية تأتي بعكس رغبات هذه الشعوب ومصالحها؟
لقد شهد لبنان خلال الأيام القليلة الفائتة حدثين مهمين:
الأول هو إعلان سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق وزعيم «تيار المستقبل»، تعليقه نشاطه ونشاط تياره، وإحجامهما عن خوض الانتخابات العامة المرتقبة في الربيع المقبل.
والثاني هو المبادرة الخليجية – العربية – الدولية التي حملها إلى لبنان الرسمي وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، ودعت الدولة اللبنانية (اليوم في الكويت) إلى مناقشة في العمق لما يجب عمله من أجل حل الأزمة اللبنانية... التي ما عادت تداعياتها محصورة بلبنان، بل أخذت سمومها الخطيرة تمسّ الأمن العربي بأسره.
بلا مواربة أو لعب على الكلام، كان القاسم المشترك اللافت الذي تضمنه إعلان الحريري والمبادرة التي حملها الوزير الكويتي هو موقع إيران في لبنان. ذلك أن الحريري برّر إعلانه تجميد نشاطه السياسي ومقاطعته الانتخابات المقرّرة بواقع الهيمنة الإيرانية على لبنان وسط تخلٍّ دولي عن البلد، في حين نصّت المبادرة التي حملها الوزير الكويتي على قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات الموجود خارج سلطة الدولة.
هذه النقطة خاصة هي «مربط الفرس». إذ لا يعقل إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة بوجود هيمنة سلاح خارج سلطة الدولة، وفي ظل قانون انتخاب نسبي أعرج يفتح باب الاعتراض في مناطق، في حين يمنع السلاح غير الشرعي الاعتراض في مناطق هيمنته المقفلة بوجه خصومه.
ولكن، في المقابل، ثمة قوى دولية وازنة ونافذة في لبنان، تتقدّمها الولايات المتحدة وفرنسا، تصرّ على إجراء الانتخابات... رغم معرفتها التامة بمدى اختلال المعادلة الأمنية والسياسة في البلاد. وهو ما يوحي بأن واشنطن وباريس لا تتحرّجان من توفير «شرعية» إضافية ونهائية لهذه الهيمنة الإيرانية ممثَّلة، بالطبع، في ميليشيا «حزب الله».
وعلى صعيد موازٍ، بينما تسير مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا بغياب أي نقاش علني للتصرفات العدوانية في منطقة الشرق الأوسط، ترعى العاصمتان الغربيتان الحكومة اللبنانية، وتساعدانها – عملياً – على التطبيع مع نظام دمشق بحجة تأمين «الحاجات الإنسانية» للبنانيين. ولقد كان لافتاً – ولكن ليس مفاجئاً – كلام غير بيدرسن، المسؤول الدولي النرويجي عن الملف السوري، لـ«الشرق الأوسط» بالأمس، عندما قال صراحة إنه «لا خلافات استراتيجية» بين واشنطن وموسكو حيال سوريا، وإن موقف واشنطن من نظام دمشق تغيّر «إذ إنها لا تريد تغييره، بل تغيير سلوكه».
هذا الكلام، يتكامل، لا شك، مع حماسة إدارة الرئيس جو بايدن والعواصم الأوروبية لإنجاح مفاوضات فيينا، أيضاً في ظل الشعار الأميركي «لا نريد إسقاط نظام طهران... بل تغيير سلوكه». وتضاف إليه، التلميحات الإسرائيلية - المتواترة أحياناً - عن رغبة تل أبيب في «تحديد» أو ضبط الوجود الإيراني في سوريا. وهنا، يجب الإشارة إلى أن الوجود العسكري الإيراني منتشر في أماكن عديدة من سوريا، بعضها قريب جداً من خط الهدنة مع إسرائيل. ثم إن هذا الوجود أسقط واقعياً الحدود السورية مع كل من العراق ولبنان، وتبيّن خلال الأيام الأخيرة أنه في ضوء طريق تهريب الكبتاغون وغيره، أسقط أيضاً الضبط والربط على الحدود مع الأردن!
في ضوء كل هذه المعطيات والاختلالات و«الاحتلالات»، لا يعود غريباً التساؤل عمّا يتوقعه المجتمع الدولي من الانتخابات اللبنانية المقبلة.
هل يتوقع المجتمع أي شيء من عملية انتخابية معروفة النتائج سلفاً... غير «شرعنة» احتلال قوى «الأمر الواقع» وديمومته وسط بؤس الحصار والحرمان والتهجير؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة لبنان أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib