«غزة 2023» حرب سقوط الأوهام

«غزة 2023»: حرب سقوط الأوهام

المغرب اليوم -

«غزة 2023» حرب سقوط الأوهام

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

لا أدري بالضبط أيّاً من قيادات حركة «حماس» أو حركة «الجهاد الإسلامي» أمرت بشنّ «حرب غزة» الأخيرة، ولكن بصراحة، وأمام هول ما رأينا وما يمكن أن نرى، لا يعود لهذا السؤال أي أهمية...

فما حدث قد حدث، ووعدنا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بخارطة جديدة للمنطقة، على وقع التأييد المطلق من عواصم القرار الغربية... تتقدّمها طبعاً واشنطن. ولكن بما أن لكل مواجهة «معسكرين، لنتساءل عن الاعتبارات التي أملت على اللاعبَين «الحمساوي» و«الليكودي» ديناميكيات الفعل ورد الفعل. ولنبدأ بالمعسكر الذي انطلقت منه «الشرارة»؛ أي «حماس» ومَن يُحالفها.

كيف تخيّل مخطّطو الهجوم الواسع أن يكون ردّ الفعل الإسرائيلي عليه في عهد أكثر الحكومات تطرفاً وعداءً للفلسطينيين منذ عام 1948؟

ألا يتذكّر هؤلاء ما حدث في لبنان عندما شنّ «حزب الله» عام 2006 عملية عبر الحدود الإسرائيلية أصغر بكثير من الحملة على «غلاف غزة» ومستوطناته العديدة؟ ألا يتذكّر أن الرد الإسرائيلي يومذاك كان عملية تدميرية ضخمة طاولت كل شيء في لبنان... إلى درجة أن أمين عام «الحزب» حسن نصر الله نفسه أقرّ بخطأ حساباته، وما زال خصومه لليوم يعيّرونه بعبارة «لو كُنت أعلم»؟

أكثر من هذا، وهنا أحسب أن الاستفسار يتشعب ويأخذ أبعاداً أوسع من المواجهة الفلسطينية - الإسرائيلية نفسها. هل كان في حساب أصحاب قرار الحرب أن إيران - كدولة وأيضاً كميليشيات تابعة لها - ستهبّ هبة رجل واحد و«تزيل إسرائيل من الوجود خلال ساعات»... كما دأب خطباء «الحرس الثوري» وملالي طهران وبيروت وبغداد على إبلاغنا؟

أمَا فاجأتهم مسارعة واشنطن خلال ساعات قليلة من بدء الحرب إلى القول إنها ليس لديها أدلة على تورّط طهران أو أذرعها فيما حدث. بل أما صدمهم صمت المنابر الطهرانية لبرهة... إلى أن مسح «صناديد» التحرير الخطابي عرق الخجل من تبرئتهم على لسان «الشيطانين الأكبر والأصغر»؟

ولننسَ إيران لبعض الوقت، وننظر إلى اللاعبين الإقليميين. أكان منطقياً الرهان على قوى إقليمية مأزومة لكل منها همومها وانشغالاتها ومخاوفها؟ بل هل في حساب الذين أصدروا الأوامر أن روسيا (المنشغلة بأوكرانيا) والصين (المهتمة بتايوان) ستمنعان واشنطن من حماية كيان لطالما اعتبرته جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي ورأس حربة لنفوذها في منطقة الشرق الأوسط؟

في المقابل، أي في المعسكر الإسرائيلي، أزعم أن «التخلّص» من «فلسطين» كهوية وككيان وكقضية أولوية لا تُنازع في سُلّم أولويات قوى اليمين الإسرائيلي... بل وليس بالضرورة اليمين الإسرائيلي وحده.

مجّرد وجود «فلسطين» كان ولا يزال يشكّل إشكالية أخلاقية وديمغرافية وسياسية وأمنية لمؤسسي إسرائيل وورثتهم. وبعدما كان بعض المؤسسين والمؤسسات - مثل غولدا مائير - قد ردّدوا في عصر التعتيم الإعلامي والتعليمي أكذوبة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، فإن في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، وإبان عصر الإعلام المتطور، مَن يؤمنون أيضاً بذلك ويذهبون أبعد.

ذلك أن متطرفين، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لا يؤمنون أصلاً بوجود شعب فلسطيني، بل يسعون فعلياً لفرض «الترانسفير» بوصفه حلاً نهائياً... أي تهجير الفلسطينيين نهائياً. وهذا «الحل» التهجيري تطرق إلى «فضائله» أخيراً نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق داني آيالون، عندما دافع عن فكرة نقل 1.1 مليون فلسطيني من غزة إلى سيناء (رغم معارضة مصر)، و«تأمين استقرارهم هناك على غرار «تأمين إيواء اللاجئين السوريين الفارين من مذابح نظام الأسد».

بن غفير، بالمناسبة، ابن حركة «كاخ» التي أسسها الحاخام المتطرف الراحل مئير كاهانه الذي وصف العرب ذات يوم بـ«الكلاب»، وكان بالأمس منهمكاً بتوزيع الأسلحة الفردية على المستوطنين في خطوة تؤكد طبيعته الميليشياوية. أما سموتريتش فقد قال غير مرة، في فرنسا وفي الولايات المتحدة إنه لا وجود لشعب فلسطيني، بل إن هذا الشعب «اختُرع» فقط في القرن الماضي.

أشخاص بخطورة هذين لا يأنف نتنياهو من التحالف معهم من أجل البقاء في الحكم طمعاً بحصانة قضائية تحول دون محاكمته بتهم الفساد. وفي هذا الإطار لم يتردد في التآمر على استقلالية القضاء بسعيه لتعديلات عارضها مئات ألوف الإسرائيليين الذين نظموا ضدها مظاهرات حاشدة طوال الأشهر الأخيرة.كل ما سبق ذكره يرسم صورة غير مطمئنة على الإطلاق لمستقبل الفلسطينيين، بل لا يراه مطمئناً أيضاً لمستقبل إسرائيل أشخاصٌ كالإعلامي والكاتب الأميركي اليهودي المعروف توماس فريدمان؛ إذ قال فريدمان قبل يومين: «لا تستطيع أميركا على المدى البعيد حماية إسرائيل من التهديدات الحقيقية التي تواجهها ما لم تكن لديها حكومة تعكس أفضل ما في مجتمعها لا أسوأ ما فيه، وما لم تنجح هذه الحكومة في التوصل إلى تسويات مع الأفضل لا الأسوأ في المجتمع الفلسطيني».

أما على صعيد المنطقة، فإن الكثير يعتمد على الدرس المُستفاد من «مواقف» إيران منذ بدء الحرب الحالية.

إن حرص واشنطن على «منع توسّع الأزمة» لا يعني فقط تسهيل استفراد آلة الحرب الإسرائيلية بالفلسطينيين... الذين راهن بعضهم على إيران. بل ربما يعني أيضاً أن إدارة جو بايدن ما زالت تريد إيران «شريكاً أمنياً» في منطقة الشرق الأدنى، كما كانت عليه الحال بعد ابتكار «داعش» واستثمار فظائعها.

ولعل خارطة المنطقة التي يريدها نتنياهو - بما فيها الممر الإيراني إلى المتوسط - تستند إلى «تثبيت» مناطق النفوذ الإقليمي الحالية و«ديمومتها» في العراق ولبنان... وبالذات في سوريا.وهنا، حقاً يسقط العديد من الأوهام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«غزة 2023» حرب سقوط الأوهام «غزة 2023» حرب سقوط الأوهام



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:21 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم
المغرب اليوم - إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم

GMT 19:04 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
المغرب اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 06:49 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة
المغرب اليوم - المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة

GMT 05:59 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

GMT 08:13 2019 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

أبرز الأبراج التي تعشق التحكّم في الآخرين

GMT 07:09 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

سيارات لندن..!

GMT 00:40 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سخان ماء يتسبب في وفاة سيدة متزوجة في تاوريرت

GMT 18:58 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

إقلاع طائرة تحمل أول صاروخ فضائي في بريطانيا

GMT 00:12 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مطالب أوروبية بتأجيل تقنية "صندوق الرمال" من "غوغل"

GMT 18:52 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البابا يعزل أسقفًا "تستر" على اعتداء جنسي

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,19 شباط / فبراير

كيف ترفضين كذب طفلك دون أن يخسر ثقته بكِ؟
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib