القيادات العالمية خرجت ولم تعُد

القيادات العالمية... خرجت ولم تعُد!

المغرب اليوم -

القيادات العالمية خرجت ولم تعُد

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

قرار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، إعادة متحف آيا صوفيا بإسطنبول مسجداً، كما كان في العهد العثماني، يشكل نقلة سياسية مهمة. وهو خطوة أخرى في سعي تركيا الإردوغانية إلى استنهاض الإرث العثماني والاستقواء به واعتماده «شرعية سياسية» لمشروع تركيا الطموح في الحيّز الجغرافي الكبير الذي بلغته الدولة العثمانية في عصرها الذهبي ما بين القرنين الـ16 والـ18 الميلاديين.
طبعاً، القرار في حد ذاته، قرار سيادي تركي حتى إذا كان من حق المراقب أن ينتقده أو يؤيده أو يتوقف عند توقيته. وفي مسألة التوقيت، بالذات، ينبغي ألا يغرب عن البال، أنه يأتي متزامناً مع عبور الحضور العسكري والسياسي التركي مياه البحر المتوسط لأول مرة منذ سقوط الدولة العثمانية، وتمركُز قوات تركية داخل أراضي شمال سوريا، وشنّ أنقرة هجمات داخل شمال العراق ذي الغالبية الكردية في مطاردات للجماعات الكردية التركية المسلحة.
من ناحية ثانية، ما زال المشرق العربي تحت غيمة إيرانية سوداء تتكثّف وتتوسّع منذ 1979، ولقد قاربت منذ عام 2003 مستوى «الاحتلال». ومن ثم، ما لم نشهد تدخلاً دولياً جدّياً، فإن هذا «الاحتلال» سيتمكّن من المنطقة ويفتّتها... مطلقاً شراذم تفجيرية تدمّر نفسها وتهزّ أمن العالم. ولعل اغتيال المحلّل السياسي العراقي هشام الهاشمي، وتزايد الانفجارات غير المحسومة الهوية قرب العاصمة الإيرانية، وإطلاق مموّل «حزب الله» اللبناني قاسم تاج الدين من سجنه الأميركي، تطوّرات تستحق التوقف عندها في «سنة انتخابية أميركية» استثنائية.
ثم نصل إلى المحطة الإسرائيلية. هنا، خلف خطط ضم أراضٍ في الضفة الغربية والغور، اعتبارات عدة، أهمها: المضي بسياسة القضاء على «حلّ الدولتين» الأعرج، وترسيخ «يهودية الدولة» من البحر إلى النهر (نهر الأردن)... وتحصين الجبهة الداخلية الإسرائيلية قبل المشاركة في رسم خريطة تقاسم النفوذ الإقليمي. ومع أن خطط «الضم» تواجه حالياً معارضة خارجية معلنة، ولا تحظى بإجماع داخلي في إسرائيل نفسها، فإن علاقة إسرائيل باللاعبين العالميين «الأربعة الكبار» –أي الولايات المتحدة وروسيا والصين ودول أوروبا الغربية– جيدة جداً. وعليه، تبقى المسألة بيد أطراف الحكومة الإسرائيلية التي تناور فيما بينها بينما يتخبط «الأربعة الكبار» في مشكلاتهم.
هنا نصل إلى مربط الفرس.
الحقيقة التي لا بد من تكرارها، هي أنه ما كانت القوى الإقليمية الثلاث (تركيا وإيران وإسرائيل) لتفعل ما تفعله لولا واقعان مأساويان: هما الضعف العربي المخيف. وغياب القيادة المتبصّرة والشُّجاعة والمسؤولة في القوى العالمية الكبرى. ولئن كان الوضع العربي لا يحتاج إلى شرح طويل، فإن «الغياب» في عواصم القرار الكبرى غدا عنصراً مدمّراً لمناخات الثقة والتعاون الدوليين واحترام قرارات الشرعية الدولية، ومهدداً للمفاهيم والمؤسسات والأطر الضرورية لوجود «نظام عالمي».
صحيح أن العداوات كانت شديدة والانقسامات الآيديولوجية كانت حادة إبّان «الحرب الباردة»، وما أنتجته من «ثنائية قطبية». لكن الصحيح أيضاً أنه وُلدت حركات ومبادرات وقيادات كانت تدرك مخاطر الاندفاع نحو المجهول، فتخلق الضوابط، وتحصر مناطق النزاع.
حتى حروب طويلة كحروب الهند الصينية (فيتنام ولاوس وكمبوديا) والحرب الكورية وحروب شبه القارة الهندية واشتباكات الحدود الهندية - الصينية وحروب أفغانستان وأفريقيا (الكونغو وأنغولا)... ظلت مضبوطة، وبقيت للوساطات الدولية صدقية مفيدة تلعب دور «جهاز امتصاص صدمات».
قد يكون الرّدع المتبادل في ظل الثنائية القطبية النووية (بين واشنطن وموسكو) السبب الأقوى في المحافظة على ذلك «الجهاز»، بدليل أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي -ومعه «الثنائية القطبية»- سقط النظام العالمي السابق من دون تبلوُر ملامح واضحة لنظام عالمي جديد بديل مزوّد بـ«جهاز امتصاص صدمات».
أيضاً، طرأ عنصر آخر خطير هو الثورة المعلوماتية «السيبرانية» التي أعطت «الكبار» أسلحة أذكى وأشد فتكاً من أسلحة المواجهة العسكرية السابقة التي كان الردع النووي المتبادل كفيلاً بتحييدها.
لكن ما هو أسوأ من هذا وتلك، أن معظم قيادات «الأربعة الكبار» الحالية، مضافة إليها الهند –كبرى ديمقراطيات العالم– إما غير مؤمنة أصلاً بالديمقراطية كنظام سياسي ومؤسسة سياسية، وإما لا تحترم التعددية وروح التعايش و«التفاهمات العريضة»... وهذا، أمام تزايد تهديد التكنولوجيا المستقبلية للوظائف التقليدية، ومعها الضمانات المألوفة للطبقة العاملة.
التجربتان الصينية والروسية، ظاهرياً، تمارسان الانتخابات وتشهدان تداولاً رمزياً للسلطة، إلا أن الأمر يقف عند الظاهر. فلا سلطة فعلية في الصين خارج الحزب الشيوعي الحاكم منفرداً منذ ماو تسي تونغ، ولا تغيُّر جوهرياً في «أحادية» سيد السلطة الروسية، من «القيصر» بطرس الأكبر، إلى «الرفيق» جوزيف ستالين، ووصولاً إلى فلاديمير بوتين «رئيس الماضي والحاضر والمستقبل»!
على الجانب الآخر، في الولايات المتحدة المؤسسات الديمقراطية موجودة، وكذلك مبدأ توازن السلطات. غير أن ما حدث خلال السنوات الأربع الأخيرة –خصوصاً، بعد تداعيات جائحة «كوفيد - 19» الاجتماعية والاقتصادية- يشي بتغيّر راديكالي يهدّد التوافق الوطني العريض، وينكأ جراح الماضي، ويوسّع هوة الاستقطاب. فعلى رأس السلطة التنفيذية رئيس لا يؤمن بالتوافق، جلّ همه إرضاء قاعدة المُريدين المخلصين وتمتينها بدلاً من توسيعها على المستوى الوطني. والسلطة التشريعية (الكونغرس) يسيطر اليمين الجمهوري على مجلس شيوخها واليسار الديمقراطي على مجلس نوابها. والسلطة القضائية محكومة منذ 2018 بصوت رجل واحد هو رئيسها القاضي جون روبرتس، الذي حيث يميل تتوافر الغالبية بين 4 قضاة يمينيين محافظين و4 قضاة يساريين ليبراليين.
في أوروبا، الوضع ليس أفضل كثيراً من وضع «الحالة الأميركية». فجاذبية الأحزاب التقليدية في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تتراجع أمام «شعبوية» اليمين العنصري واليسار المثالي والراديكالي. والهوية الجامعة في دول كبريطانيا وإسبانيا مهدّدة بزخم انفصالي تغذّيه الأزمات الاقتصادية والطموحات الفردية.
وهكذا، أمام هشاشة نوعيات القيادات، وعجز المؤسسات الحزبية عن مواكبة تحدّيات التكنولوجيا المولّدة للبطالة، وفتح باب الاجتهاد حول «الهوية القومية» البديلة لـ«الانفصال» أو«الهويّات العابرة للحدود اللغوية والعرقية» تتضارب المصالح وترتبك الحركة، كما شاهدنا إزاء ملف إيران النووي والأزمة الليبية.
أوروبا، كانت معنية بهاتين الأزمتين سواءً على صعيد النفط أو اللجوء، لكنها بقيت عاجزة عن الخروج باستراتيجية متماسكة وحكيمة.
أما «ثلاثي» واشنطن – موسكو – بكين، فهو ما زال في علاقاته «التكتيكية» المشتركة يناور ويغامر ويقامر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيادات العالمية خرجت ولم تعُد القيادات العالمية خرجت ولم تعُد



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib