مشكلتنا مع إيران نظامُها ومشكلة غيرنا قدراتُها النووية

مشكلتنا مع إيران نظامُها... ومشكلة غيرنا قدراتُها النووية

المغرب اليوم -

مشكلتنا مع إيران نظامُها ومشكلة غيرنا قدراتُها النووية

إياد أبو شقرا
إياد أبو شقرا

عليّ أن أقرّ بأنني لست من المعجبين بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، كما أنني لم أكن ممن يستسيغون نظرة «المحافظين الجُدد» الذين ورثت إدارته عنهم العديد من السياسات وعدداً لا بأس به من الشخصيات، على رأسها مستشار شؤون الأمن القومي جون بولتون.

غير أنني، في المقابل، مقتنعٌ جداً بصواب المقولة الغربية الشهيرة «حتى الساعة المعطلة تعطينا الوقت الصحيح مرتين في اليوم». وعليه، في السياسة، يستحيل أن يكون سياسي ما دائماً على صواب بينما خصمه دائماً على خطأ. ومن هذا المنطلق، أؤمن بأن لا مجال لأنصاف الحلول في موضوع إيران والخطر الذي تشكله قيادتها الحالية على العالم العربي، وبالذات، على منطقة الخليج... بل، حتى على الشعب الإيراني الصابر العظيم.

نعم. القيادة الحالية في طهران لا تفهم غير لغة القوة، ولا تقيم وزناً للتعايش الحضاري السلمي. وهنا، في رأيي المتواضع، ارتكب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما خطيئة مميتة. وسيرتكب دونالد ترمب خطيئة مثلها ما لم يدرك أن المشكلة مع إيران ما كانت يوماً بالنسبة إلى العرب والإيرانيين فيزيائية، بل هي سياسية بامتياز.

المشكلة ليست في التفاصيل العلمية التقنية كمعدّلات التخصيب وكميات الوقود النووي داخل المستودعات، أو عدد المفاعلات العاملة والرؤوس الجاهزة للاستعمال، أو توافر وسائط حملها من صواريخ وزوارق، بل تكمن في نظام ثيوقراطي – ميليشياوي – مافيوي... عدواني في الداخل وتوسّعي في الخارج.

طبعاً من حق المجتمع الدولي الحرص على منع انتشار الأسلحة النووية، مع أن في العالم اليوم ما لا يقل عن 9 دول تملك أسلحة نووية، هي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، تضاف إليها الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل. أما على صعيد الخبرة في المجال النووي وإنتاج الطاقة النووية، فتُضاف إلى الدول المذكورة دول أخرى متقدّمة ومتطوّرة لم تحوّل خبرتها في هذا المجال إلى الجانب العسكري، على رأسها ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وإسبانيا والسويد.

هذا يعني - نظرياً على الأقل - أنه ليس ثمة ما يمنع دولاً أخرى من الاستحواذ على أسلحة نووية إذا كانت تحترم الأمن الدولي، وتحرص على حقوق شعوبها، ولا تهدد جيرانها أو تتباهى بـ«السيطرة» على عواصمهم.

من جهة أخرى، ارتفاع الحرارة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، اليوم، بعد تصعيد واشنطن لهجتها ضد حكام طهران، أمر مفهوم ومنطقي... وبالأخص، أمام خلفية الأهمية الاستراتيجية – النفطية لمنطقة الخليج. 

ومفهوم ومنطقي أيضاً، رفع حكام طهران مستوى المواجهة على خطين أتقنوا السير فيهما لعقود، هما: خط التعبئة والتصعيد العسكري على الأرض، وخط التضليل الدبلوماسي والإعلامي في أروقة السياسة الدولية و«مطابخ» الإعلام الأميركي والأوروبي.

على الأرض، استوعبت القيادة الإيرانية، التي ازداد فيها باطّراد نفوذ ميليشيا «الحرس الثوري» منذ الحرب الإيرانية العراقية (1980 - 1988)، عبثية السير بأسلوب الصدام المباشر من أجل «تصدير الثورة»... أي مشروع الهيمنة الإيرانية الخمينية. فكان البديل زرع «ميليشيات» تابعة لـ«الحرس» في كل بيئة يمكن أن تكون بيئة حاضنة، لكي تقاتل هذه الميليشيات من أجل مشروع الهيمنة الإيرانية بأجساد شباب تلك البيئات.

واقتناعاً بمنطق «الهجوم خير وسائل الدفاع»، صدر أكثر من كلام بهذا الاتجاه مؤداه أنه أفضل لإيران أن تخوض حروبها من أجل الهيمنة في مدن الدول العربية المجاورة من أن تضطر إلى خوضها في شوارع طهران وأصفهان وتبريز وهمذان. وهذا بالضبط ما حصل، حتى بلغ الأمر بالسياسي المحافظ البارز علي رضا زكاني إلى القول قبل بضع سنوات متباهياً: «لقد سقطت ثلاث عواصم عربية بأيدي إيران وهي الآن تتبع الحرس الثوري... وصنعاء ستكون الرابعة».

وفي الاتجاه ذاته، قال الجنرال حسين سلامي، القائد الحالي لـ«الحرس الثوري»، إن إيران باتت «قادرة على التحكم في التطورات السياسية في المنطقة من دون استخدام القوة العسكرية أو الوجود المباشر على الأرض». وتابع: «إيران على وشك بلوغ مستوى جديد من القوة.... اليوم امتدت مواجهتنا مع الغرب إلى البحر المتوسط، وهو ما يعني تغيّراً من المعادلات الإقليمية، زيادة في قوتنا وانحساراً في خيارات خصومنا»... وهذا، بعد ادعائه أن الدول الغربية «تتوسل» إيران لمشاركتها في قتال «داعش».

كلام مثل هذا لا يدع مجالاً للشك في نيات طهران.

ثم لدى النظر إلى ما آلت إليه التطورات في سوريا والعراق واليمن، بل وفي لبنان أيضاً، يتأكد تماماً فشل رهان واشنطن على تغيّر سلوك حكام طهران وقادة «حرسها الثوري»... الذين يتولّون فعلياً قيادة «الحشد الشعبي» و«حزب الله» وحوثيي اليمن و«الجهاد الإسلامي» في غزة وغيرهم من الميليشيات «الحَرَسية».

أما بالنسبة إلى واشنطن، فاللافت أن مخطّطي شؤون الشرق الأوسط يرفضون أي ربط بين إكرام بنيامين نتنياهو و«السخاء» في تبني مشاريعه المتطرفة التوسعية.... واستفادة طهران منها لجهة تبريرها مشاريعها المتطرفة التوسعية.

أقول «اللافت» عمداً ولا أقول «المستغرب» أو «المفاجئ»... لأن المسألة بدهية. تطرّف طهران يستفيد من تطرّف تل أبيب، والعكس صحيح. وهكذا، يقطع الجانبان بالاتجاهين ما تبقى من المنطقة العربية، ويشجّعان القوة الإقليمية الثالثة، تركيا - رجب طيب إردوغان أيضاً، على دخول الحلبة... وأخذ ما تعدّه من حقها تحت رايات الدفاع عن أهل السنة والجماعة.

خلاصة القول، أن أحداً لا يتمنّى الحرب في المنطقة المنكوبة أصلاً. ثم إن أي إنسان عاقل يدرك أن تكلفة أي حرب سيدفعها أهل المنطقة لا غيرهم، ولكن ما السبيل لوقف حروب طهران على دولنا، وفي الكثير من الأحيان داخل دولنا؟

ما الحل مع نظام عاقد العزم على احتلال المنطقة ونشر أفكاره وتطرّفه باسم ما يدّعيه عن هوية الإسلام؟

ما مصيرنا إذا سُمح للغة التطرّف والتطرّف المضاد أن تسود منطقتنا، وتقضي على ثقافتها ومواردها، وتدمّر مستقبل أجيالها الشابة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلتنا مع إيران نظامُها ومشكلة غيرنا قدراتُها النووية مشكلتنا مع إيران نظامُها ومشكلة غيرنا قدراتُها النووية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib