سوريا حسابات جنوبية وإشكالات شرقية

سوريا: حسابات جنوبية... وإشكالات شرقية

المغرب اليوم -

سوريا حسابات جنوبية وإشكالات شرقية

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

بينما تجتذب انتفاضة محافظة السويداء في الجنوب السوري اهتمامات محلية ودولية واسعة وعلامات استفهام كبيرة، فُتحت جبهة قتال في شرق سوريا بين العشائر العربية وميليشيا «قسد» (قوات سوريا الديمقراطية). وجاء فتح هذه الجبهة وسط تطوّرات تستحق الرصد... والتساؤل أيضاً.

انتفاضة السويداء، ومعها «جارتها» درعا ومناطق أخرى من سوريا، انطلقت من أكثر من مجرّد معاناة معيشية يومية. إذ فجّرتها جملة من العوامل، على رأسها «احتلال فعلي» إيراني، وفساد مقيم و«مافيوي» مدعوم رسمياً، من أخطر تجلياته تصنيع المخدرات ورعاية تجارتها، وتهريبها وتهريب السلاح عبر الحدود الأردنية لتهديد الأمن العربي.

وبالنظر إلى دور طهران المركزي في المشروع الاحتلالي، وإشراف أزلامها وأدوات أزلامها على قطاع المخدّرات، وفي مقدمها «الكبتاغون»، فإن الوضع لن يتغيّر من دون قطع «ممرّ طهران - بيروت» الإيراني عبر أراضي سوريا والعراق.

الواقع أنه منذ بدأت انتفاضة الجنوب السوري، شنّ معسكر إيران بعربه وعجمه ضدها حملة مضادة على مختلف المستويات، شملت شقّ القيادات الدينية عبر مشايخ تابعين، وتشويه الانتفاضة وأهدافها عن طريق أبواق إعلامية ارتزاقية وطائفية معروفة المرجعية.

أيضاً، كان لافتاً بين الفينة والفينة اللعب على «الوتر القومي»، خصوصاً لدى الكلام عن سعي واشنطن إلى تقسيم «الهلال الخصيب» وفصل الأراضي السورية عن الأراضي العراقية من خلال عملياتها العسكرية في المناطق الحدودية بجنوب سوريا وشرقها من التنف إلى البوكمال. وحقاً، هذا الاتهام لا يخلو من الطرافة... ذلك أن «عروبيّي الشعارات» الذين حكموا سوريا والعراق لعقود أمضوا جُلّ فترات احتكارهم السلطة والبلدين في حالة عداء. بل لقد وصل هذا العداء إلى حد تأييد الحكم السوري «البعثي» الغزو الأميركي للعراق وإسقاطه حكمه «البعثي» عام 2003!!

طبعاً، لا يصح هنا أن نتناسى حقيقتين أخريين؛ الأولى أن حدود هذين الكيانين، التي رسمها التقاسم الانتدابي البريطاني الفرنسي، حدود مصطنعة، ولقد عدّلت بعد ترسيمها الأولى وفقاً لما عرف بـ«اتفاقية سايكس بيكو». والثانية أنه تنتشر على جانبي خط الحدود الحالي العشائر العربية ذاتها.

غير أن الأسوأ هو أن المُتباكين والشاكين من «المؤامرة» الأميركية لـ«فصل» سوريا عن العراق، يتجاهلون، وهم العالمون، أن القوة المتحكِّمة بمصيري الكيانين الشقيقين غير عربية. بل هي تخوض حرباً مفتوحة وشرسة وتفتيتية ضد الهوية العربية، سلاحها التأجيج المذهبي والطائفي، وذخيرتها التهجير والاقتلاع والتبديل السكاني والابتزاز بـ«داعش» ومثيلات «داعش».

في أي حال، تكمن الإشكالية السياسية اليوم في أن استراتيجية «قسد» تقوم علناً على طرح الفيدرالية في مناطق الغالبية الكردية، في حين أن عدداً لا بأس به من مناطق سيطرة «قسد» ذات كثافة عربية. ومعظم العشائر العربية في هذه المناطق ترفض أن تُعامل كأقلية تحت سلطة كردية بينما تفصلها حدودٌ تعتبرها مصطنعة عن إخوتها وأبناء عمومتها. إلا أن المكوّن العربي في العراق - وتحديداً العربي السنّي - أقلية تعيش في ظل هيمنة إيرانية مسلّحة عبر «الحشد الشعبي» والأحزاب التي تدعمها طهران. وهكذا، يُخشى - من حيث تدري العشائر أو لا تدري - أن يخدم القتال الجاري في شرق سوريا مصالح طهران ونظام دمشق... ويوفّر لهما الذريعة من أجل المحافظة على «ممر طهران - بيروت» الذي هو الشريان الحيوي الذي يغذّي الاحتلال الإيراني.

هذا في الشرق، أما في الجنوب، فقد لمّح بعض الذين انتقدوا خلال الأسبوعين الأخيرين رفع منتفضي السويداء أعلام الموحّدين الدروز – الذين يشكلون غالبية سكانية كبيرة في المحافظة - إلى وجود نيات انفصالية. بيد أن المنتقدين أغفلوا حقيقة أن الموحّدين يشكّلون أقليّات صغيرة - وإن كانت مؤثرة - في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ولقد رفضوا مراراً السعي إلى «دولة درزية مستقلة».

كذلك، غفل المنتقدون عن أنه إبان انتفاضة السويداء الأولى كان المطلب الأساسي لـ«حركة رجال الكرامة» ألّا يقاتل العسكريون الموحّدون خارج مناطقهم، من منطلق رفضهم المطلق إهراق الدم السوري، ما سيعمّق الشرخ بين مكوّنات الشعب الواحد. ومن ثم، فإن رفع أعلام التوحيد في الانتفاضة الحالية جاء ليجنّبهم رفع أي من العلمين السوريين المختلف بشأنهما بين الثورة ونظام دمشق.

إزاء هذه الصورة المرتبكة للمشهد السوري وأبعاده الإقليمية لا بد من التساؤل عن مواقف القوى الكبرى... هل لها دور تشجيعي أو تحريكي للتطوّرات الحاصلة، خاصة في الجنوب والشرق؟ وهل تبدّلت مقارباتها وأولوياتها خلال الفترة القصيرة الماضية... أو تأثرت بتغيّر المعطيات والحسابات الدولية، بما فيها حرب أوكرانيا؟ وهل عادت القوى السورية - بما فيها النظام - إلى القراءة الخاطئة للنيّات والمصالح؟

راهناً القوة الوحيدة، باعتقادي، التي تعرف تماماً ما تريده وتواصل تنفيذه بثقة، هي إيران. إلا أنه ما كان للإيرانيين تحقيق النجاحات التي حققوها في سوريا حتى الآن لولا 4 عوامل...

- الدعم الروسي سياسياً وعسكرياً... وخصوصاً جواً. إذ يُشك في أن ميليشيات إيران كانت ستحقق ما حققته ميدانياً لولا الغطاء الجوي الروسي.

- «اللا استراتيجية» الأميركية عبر رئاسات باراك أوباما ودونالد ترمب وجو بايدن.

- غضّ الطرف الإسرائيلي، ولا سيما أنه التزم طوال الفترة الماضية بموقفَي واشنطن؛ الاكتفاء بـ«تغيير طهران سلوكها» والإبقاء على نظام دمشق.

- التساهل العربي الذي يعطي في كل مرة إشارات تفهمها طهران ودمشق على أنها ضعف وتقبّل، فينتهي الأمر بزيادة معاناة السوريين وتشديد قبضة طهران على المنطقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا حسابات جنوبية وإشكالات شرقية سوريا حسابات جنوبية وإشكالات شرقية



GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:21 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم
المغرب اليوم - إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم

GMT 19:04 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
المغرب اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 06:49 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة
المغرب اليوم - المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة

GMT 05:47 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:32 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية في غرب إفريقيا تجمع بين جمال الطبيعة والثقافة

GMT 14:04 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:41 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:28 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 06:41 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 17:35 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس الفرنسي وزوجته يزُوران ضريح الملك محمد الخامس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib