مؤتمر شرم الشيخ المناخي ناقوس خطر وفرصة أخيرة

مؤتمر شرم الشيخ المناخي... ناقوس خطر وفرصة أخيرة

المغرب اليوم -

مؤتمر شرم الشيخ المناخي ناقوس خطر وفرصة أخيرة

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

لا جديد في أن تشهد قمة «كوب27» المناخية في شرم الشيخ الشد والجذب الذي شهدناه بين «الكبار» المتهمين بتلويث البيئة العالمية... و«الصغار» الذين تعيش دولهم - ولا سيما الجُزرية منها - ما قد يكون عداً تنازلياً لبقائها. ولا جديد أيضاً في عودة قادة واشنطن وبكين وموسكو إلى طاولات البحث الاستراتيجي في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة على أرض جنوب أوكرانيا، والرسائل الدولية المتضاربة التي أرسلتها الانتخابات النصفية الأميركية إلى من كان ينتظر شللاً في البيت الأبيض تنتجه سيطرة جمهورية قوية على مجلسي الكونغرس.
وسط الهموم والتوترات المتصلة بحرب أوكرانيا، شهدنا في الأيام القليلة الماضية تطورين: الأول، السعي الأميركي - الأطلسي لتبريد الأجواء في أعقاب القصف الذي سُجل على أراضٍ بأقصى شرق بولندا، فيما يمكن تفسيره بالرغبة الوطيدة في لجم الانزلاق نحو معركة عبثية غير محمودة العواقب. والثاني، مواصلة الغرب السعي الحثيث لمحاصرة فلاديمير بوتين سياسياً واستنزافه اقتصادياً، رغم اتضاح ما لدى الزعيم الروسي من إمكانيات لإضعاف الحصار، وتشتيت تركيز خصومه، وبالأخص، بعد الدعمين العلنيين الصيني والإيراني لموسكو.
القصف على أراضي أوكرانيا في الأسبوع الماضي حمل كل نذُر «السيناريوهات» الكارثية. ولئن كان سوء الظن المتبادل لا يزال «سيد الموقف» بين الكرملين وزعامات الغرب، فإن التورط في معركة يصعب لملمة لهيبها ليس في مصلحة أحد الآن؛ إذ لا فائدة لروسيا، التي وصل حلف شمال الأطلسي «ناتو» إلى حدودها الغربية - بل والشمالية الغربية أيضاً - بعد طلب كل من فنلندا والسويد الالتحاق بالحلف... ولا هو مفيد لدول أوروبا الغربية التي لديها من المشاكل السياسية والمصاعب الاقتصادية ما يغنيها عن تحويل أراضيها إلى «مسرح عمليات» لحرب دمار شامل.
أما بالنسبة للقراءات في نتائج الانتخابات النصفية الأميركية، فإنها على الأرجح ستتحكم في معظم مقاربات القوى العالمية والمعنية بتداعيات سياسات واشنطن على مصالحها.
فيما يخص موسكو، كثيرون يقولون إنها كانت تأمل في انتصار كبير للجمهوريين في تلك الانتخابات يؤدي إلى تكبيل الإدارة الديمقراطية الحالية وحرمان الرئيس جو بايدن من حرية المناورة إزاء كل المسائل الخلافية الدولية الحساسة. وليس جديداً أن العديد من المحللين الغربيين كانوا طوال السنوات الأخيرة يرصدون اهتماماً روسياً متزايداً بدعم كل حركات اليمين القومي في أوروبا... ووصولاً إلى الولايات المتحدة.
في رأي هؤلاء، دعمت موسكو، خلال السنوات القليلة الماضية، كلاً من قوى اليمين المتشدد (الذي كان حتى الأمس القريب هامشياً في معظم دول أوروبا الغربية) وشراذم اليسار الراديكالي والفوضوي. وحسب أصحاب هذا الرأي كانت غاية الكرملين الاستراتيجية من مد التشددين اليميني واليساري بأسباب القوة، ولا تزال، خلخلة الأسس التي قامت الأنظمة الديمقراطية باستخدام شعبوية سياسية تقوم على التحريض العنصري ضد الأقليات، والتأجيج ضد العمالة المهاجرة واللجوء، والتشكيك في نزاهة الانتخابات، ونسف ما يمكن نسفه من قواسم وطنية مشتركة في الدول المستهدفة.
وبالفعل، ها هي اليوم إيطاليا تحكمها رئيسة وزراء من الفاشيين الجدد. وفرنسا يمثل اليمين فيها متطرفو مدرسة جان ماري لوبن وابنته مارين لوبن لا المعتدلون المحافظون من تلامذة شارل ديغول. وبريطانيا تحت سيطرة اليمين الانعزالي «البريكستي» مع التذكير بأن موسكو كانت في طليعة مؤيدي «بريكست» (أي الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي).
أما خارج أوروبا، وإذا كان لنا تصديق بعض الأقلام الروسية «الرسمية» المعترفة بـ«التدخل»، فإن موسكو كانت داعماً أساسياً للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية عام 2016 التي حملت دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. وهي اليوم - كما يحث أحد كبار المعلقين السياسيين الروس المقربين من الكرملين - مدعوة «مجدداً» إلى مساندة مرشح الجمهوريين ضد أي مرشح ديمقراطي في انتخابات 2024.
هذا، فيما يخص روسيا، فماذا عن حليفتها «الجديدة - القديمة» الصين؟
الرئيس الصيني شي جينبينغ، الخارج من مؤتمر حزبه الأخير زعيماً متوجاً وأقوى مكانة بكثير من ذي قبل، لا يبدو أقل اقتناعاً من نظيره الروسي بأن عصر «الأحادية القطبية» اقترب من نهايته. ولقد شدد شي غير مرة على الدور الذي تؤمن به بكين لنفسها، وتعتبره قدَرَها وحقها الطبيعي. وبالأمس، حذر الزعيم الصيني من اعتبار البعض منطقة آسيا وحوض المحيط الهادئ «حديقة خلفية» لأحد... قاصداً الولايات المتحدة. وطبعاً، لا ينفصل هذا الكلام عن المواقف الصينية الأخيرة من تايوان، والتوترات المتصلة بـ«التزام» بكين بمبدأ العودة الحتمية لتايوان إلى الوطن الأم.
واشنطن، من جهتها، لا تعتبر نفسها طارئة على شرق آسيا وحوض المحيط الهادئ. وتاريخياً، نذكر أنه بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي عام 1945 أعاد الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر ترميم اليابان على هواه ووفق مصالح واشنطن. ولكن بسبب اندلاع الحرب الكورية (مطلع الخمسينات) بعد سيطرة الشيوعيين على البر الصيني، اتخذت واشنطن قرارها التاريخي بإنهاض العملاق الصناعي الياباني الجريح ليكون بالمرصاد لتمدد الشيوعية الصينية وتشظياتها من كوريا إلى الهند الصينية (فيتنام ولاوس تحديداً). وبصرف النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض، لن تكون واشنطن قادرة على الانكفاء من شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ من دون خسائر استراتيجية باهظة.
وهكذا، نجد أن القوى العالمية الكبرى الثلاث: أميركا (ومعها أوروبا الأطلسية)، وروسيا، والصين،... تتأهب لما تدرك أنها قد تكون مرحلة مفصلة في تاريخ البشرية. لكن الفارق هذه المرة أن من السمات الأهم لهذه المرحلة ليس فقط خطر الإفناء العسكري المتبادل الذي أسس لسياسة ردع نووي نجحت لتاريخه في منع الإفناء، بل ثمة الآن خطران جديان ومترابطان: الخطر البيئي والخطر الديموغرافي.
نعم، البشرية الآن أمام تحديين وجوديين لعلهما أكبر حتى من الصراعات السياسية، فالقنبلة البيئية لن توفر أحداً لا في جزر المحيط الهادئ ولا بنغلاديش ولا هولندا ولا سواحل الولايات المتحدة الشرقية والجنوبية... المهددة كلها بارتفاع مستويات البحار، وغيره من تداعيات الانحباس الحراري والتغير المناخي. ومع بلوغ تعداد سكان الأرض 8 مليارات إنسان خلال الأسبوع المنصرم، واستمرار انحسار المناطق الخضراء والتنوع البيئي، ما عادت المسألة تنتظر مساومات وجدالات بيزنطية.
مؤتمر شرم الشيخ المناخي «كوب 27» هو حقاً ناقوس خطر وفرصة أخيرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤتمر شرم الشيخ المناخي ناقوس خطر وفرصة أخيرة مؤتمر شرم الشيخ المناخي ناقوس خطر وفرصة أخيرة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib