إنقاذ ما تبقى من ثقة حاجة ماسة في أميركا 2022

إنقاذ ما تبقى من ثقة... حاجة ماسة في أميركا 2022؟

المغرب اليوم -

إنقاذ ما تبقى من ثقة حاجة ماسة في أميركا 2022

إياد أبو شقر
بقلم : إياد أبو شقرا

 

وفق كل المقاييس، إقدام أمنيي «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (إف بي آي) على تفتيش القصر الريفي الذي يملكه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، حدث استثنائي. إذ لا يحدث كل يوم اقتحام منزل لزعيم دولة كبرى - بحجم الولايات المتحدة - ما زال لحزبه حضور برلماني وإعلامي واقتصادي ضخم، كي لا نقول إن مناصريه يعدون العدة منذ الآن لعودته إلى الرئاسة.
مجرد اتخاذ وزارة العدل الأميركية هذا القرار يحمل أبعاداً كبيرة، ويفتح الباب أمام احتمالات خطيرة، مهما كانت العواقب المباشرة للعملية.
بدايةً، نحن إزاء مشهد أميركي انقسامي غير معهود منذ فترة بعيدة، فحتى «الحقبة المكارثية» بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تهدم جسور التفاهم بين الأميركيين. ومثلما لم يكن التناقض عميقاً - أو وجودياً - بين «وجهي» الصراع الحزبي الرئاسي الجمهوري المعتدل الجنرال دوايت أيزنهاور ومنافسه الديمقراطي المعتدل أدلاي ستيفنسون، ما كان الحزبان الجمهوري والديمقراطي في طول البلاد وعرضها... متناقضين «آيديولوجياً».
إذ كان العديد من حكام الولايات وقادة مجلسي الكونغرس خلال عقد الخمسينات، ثم عقدي الستينات والسبعينات، أكثر انفتاحاً وتعاوناً وتفهماً وتسامحاً من نظرائهم اليوم.
وكان كثيرون من جمهوريي الشمال والشمال الشرقي «الكبار» من أمثال نيلسون روكفلر - حاكم ولاية نيويورك ونائب الرئيس السابق - والسيناتورين جاكوب جافيتش وتشارلز بيرسي أكثر ليبرالية بكثير من الزعماء الديمقراطيين المحافظين في ولايات الجنوب وأرياف ولايات الوسط المحافظين. وبالنتيجة، في أعقاب تبلور الهوية الآيديولوجية للحزبين على أساس «ليبرالي ضد محافظ»، تحول الليبراليون الجمهوريون إلى الحزب الديمقراطي أو اعتزلوا السياسة. وفي المقابل، انتقل عدد لا بأس به من الديمقراطيين المحافظين، منهم الرئيس الأسبق رونالد ريغان ومايك بنس - نائب الرئيس ترمب - والسيناتورات ستروم ثورمند وجيسي هيلمز وترنت لوت وفيل غرام... من الحزب الديمقراطي ليغدوا جمهوريين.
اليوم الاستقطاب في الشارع السياسي بات أكثر حدة، والقواسم المشتركة بين الذين يصفون أنفسهم بالمحافظين والليبراليين تتقلص بسرعة مخيفة. بل، والأسوأ من هذا الاستقطاب، تضخم أحجام تيارات راديكالية متطرفة - كانت هامشية حتى وقت قريب - على يمين الجمهوريين ويسار الديمقراطيين. وفي حالات عدة نجحت هذه التيارات في مصادرة قرارات الحزبين... وبالأخص الحزب الجمهوري.
هذه التيارات المتزايدة القوة والنفوذ - بحكم دوغماتيتها وتعصبها الإلغائي للآخرين - ضعيفة الإيمان بالديمقراطية وتداول السلطة واستقلال القضاء واحترام الأمن الوطني. إلا أنها عام 2016 استطاعت عبر دونالد ترمب والسيناتور بيرني ساندرز أن تثبت حضورها بقوة فاجأت الأميركيين خلال الانتخابات الترشيحية قبل الماضية للحزبين.
ولئن كان «يساريو» ساندرز قد أخفقوا يومذاك في فرض مرشحهم على الحزب الديمقراطي - رغم حصول ساندرز على أكثر من 40 في المائة من الأصوات الترشيحية ضد منافسته هيلاري كلينتون عام 2016 - فإن «يمينيي» ترمب نجحوا ليس فقط في فرضه مرشحاً رئاسياً، بل رئيساً أيضاً... ومن ثم هيمنوا على مفاصل «ماكينة» الحزب، وعزلوا خصومه وفرضوا «أجندته» السياسية بلا تردد.
سنوات ترمب الأربع، وفق كثرة من قادة الرأي الليبراليين والمحافظين، فترة مفصلية في تاريخ أميركا الحديث. ثم إن هؤلاء على اقتناع من أمرين اثنين: الأول أن هذه الفترة لم تنته بعد، لأن «الثقافة السياسية» التي أفرزتها لا تزال موجودة وناشطة.
الثاني، أن «الثقافات السياسية» الشعبوية الإلغائية تتغذى من التناقضات وتغذيها، ومن ثم تجهز على مفاهيم «دولة المؤسسات» وآلياتها وممارساتها وقناعاتها.
قبل أيام نشرت «الشرق الأوسط» تقريراً في «ملحق الإعلام» عن الإعلام الأميركي، وكيف ينظر إليه الشارع. هذا التقرير، الذي سبق مداهمة قصر «مار - آ - لارغو» العائد للرئيس ترمب، استند إلى تحقيقات اللجنة التشريعية الناظرة في «هجوم 6 يناير (كانون الثاني)» على مبنى الكابيتول في واشنطن، كما استند إلى مسوح ميدانية رصدية أجرتها مؤسسات استطلاع رأي عام مرموقة.
ومما جاء في التقرير أنه لدى مقارنة استطلاعات رأي عن موقف الأميركيين من إعلامهم، كان معهد «غالوب» قد أجراها عام 1977، يتبين أن 72 في المائة من الأميركيين كانت لديهم «ثقة كبيرة» أو «ثقة معقولة» بوسائل الإعلام الإخبارية. غير أن الوضع اليوم مختلف. إذ وجد استطلاع جديد للمعهد نفسه أن 16 في المائة فقط من البالغين لديهم «ثقة كبيرة» بالصحف، و11 في المائة فقط يثقون بمحطات التلفزيون. ومن ناحية ثانية، كشف عن أن الانهيار في الثقة يتأثر بخطوط الانقسام الآيديولوجي، ويظهر بالذات لدى اليمين، إذ قال 5 في المائة فقط من الجمهوريين إنهم يثقون بالصحف، مقابل 35 في المائة من الديمقراطيين، في حين يثق 8 في المائة فقط من الجمهوريين بمحطات التلفزيون، مقابل 20 في المائة من الديمقراطيين.
عند هذه النقطة، ربط التقرير بين ازدهار «نظريات المؤامرة» وانهيار الثقة بموضوعية الإعلام أو صدقيته أو تجرده. وذكر أن ثمة إدراكاً متزايداً عند الأميركيين بأن «وسائل الإعلام باتت أكثر انحيازاً»، وكذلك اقتناعهم بأنها (أي وسائل الإعلام) «لا تقيم وزناً لما يؤمنون به».
الجملة المهمة هنا هي «ما يؤمنون به!»...
انهيار ثقة الناس بالإعلام في مجتمع حر وتعددي وديمقراطي ومؤسساتي كالمجتمع الأميركي تطور مقلق للغاية، لا يدانيه سوى انهيار الثقة بالعدالة والأمن. وهو حتماً يحض على طرح تساؤلات مثل: ما هو البديل للإعلام الحر؟ ومن يقرر الحقيقة في غياب الحد الأدنى من الثقة داخل المؤسسات التشريعية التي تسن القوانين وتعين قضاة المحكمة العليا؟ بل، كيف يمكن تعزيز الثقة وحماية الحقيقة عندما تهدم جسور الحياد داخل القضاء، فيتحول إلى طرف سياسي بل آيديولوجي؟ لقد سمعت خلال الأيام القليلة الماضية، مثل غيري، أن «غزوة قصر مار - آ - لاغو» ستنتهي بواحد من اثنين: أما عودة ترمب إلى البيت الأبيض، أو أخذه إلى السجن. لكنني أزعم أن في الأمر مبالغة، لا سيما أن في النخب الحاكمة في أميركا من يقدر قيمة التعقل والاستقرار، ويثمن أهمية لجم شعبوية الشارع وغريزية التأجيج.
ثم إنه، إذا كانت الولايات المتحدة حالياً تواجه تزايد التحديات الخارجية الخطيرة سياسياً وأمنياً واقتصادياً... فآخر ما تحتاجه قطع كل الجسور وسقوط كل المحظورات في الداخل. والمشكلة هنا أن انهيار الثقة بالدولة غالباً ما يؤدي إلى انهيار الدولة ذاتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنقاذ ما تبقى من ثقة حاجة ماسة في أميركا 2022 إنقاذ ما تبقى من ثقة حاجة ماسة في أميركا 2022



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib