أساتذتَنا في الغرب ما درسكم الجديد لنا

أساتذتَنا في الغرب... ما درسكم الجديد لنا؟

المغرب اليوم -

أساتذتَنا في الغرب ما درسكم الجديد لنا

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

من أجمل ما قرأت تعليقاً على المناظرة التلفزيونية الرئاسية بين الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترمب، تغريدة جاء فيها: «مشاهدة ترمب وبايدن تشبه متابعة السنوات الأخيرة من عُمر الإمبراطورية الرومانية»!

بليغة هذه التغريدة. وحقاً، العظمة التي بلغتها الولايات المتحدة غير مسبوقة في تاريخ الغرب، بل كثيرون يجادلون بأنه لا مثيل لها عبر التاريخ بالمطلق. إذ لم يعرف العالم إمبراطورية تهيمن على الكرة الأرضية براً وبحراً وجواً وفضاءً وسيبرانياً... مثل الولايات المتحدة.

أساطيلها تجوب البحار والمحيطات، وقواعدها العسكرية تنتشر في عموم القارات وجلّ المياه الإقليمية لدولها، وصواريخها الباليستية قادرة على استهداف أي بقعة من الأرض، وأقمارها الاصطناعية التجسّسية وتقنياتها «السيبرانية» ترصد خلجاتنا وسكناتها في أي لحظة...

أيضاً، هذه الدولة الجبارة تحوي آلاف معاهد التعليم العالي ومراكز الأبحاث، بينها جامعات يزيد حجم وقفيات الواحدة منها على ميزانيات دول، وكذلك الأمر بالنسبة لصناديق التقاعد والتعويضات في أي ولاية من ولاياتها الكبيرة.

أما عن نظام أميركا السياسي، فيُجمع العدو والصديق على أنه من أرقى ما استنبطه العقل الإنساني وأدقّ ما توصلت إليه التجارب العملية لتأمين التمثيل الشعبي الصحيح والمتوازن بين المكوّنات التي تضمّها تلك البلاد. إذ حرص «الآباء المؤسّسون» ومَن جاء بعدهم على ضمان التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والفصل بينها، والحرص على ألا تهيمن إحداها على السلطتين الأخريين.

والخلاصة، أن القوة العظمى، تجربة سياسية فذّة قبل أن تكون فردوس اقتصاد وواحة حريات وقوة حرب، وطبعاً... مختبر علوم وأبحاث واختراعات وتطوير.

مع كل هذا، رأى عشرات الملايين عبر العالم مناظرة أزعم أنها لا تمثّل أفضل ما في أميركا. إذ لا يُعقل أن يفشل نظام سياسي ديمقراطي يقوم، نظرياً، على الاختيار الحرّ في إنتاج قائدَين أفضل من بايدن وترمب.

لا يُعقل أن تكون هذه الأمة عقيمة إلى درجة استحالة إيجاد مرشح ديمقراطي حالته الذهنية والصحية أقل سوءاً من حالة بايدن... ومرشح جمهوري سجلّه القضائي والمسلكي أقل سوءاً من سجلّ ترمب!

يستحيل ألا يكون في هذه البلاد الشاسعة، النابضة بالحياة والشغوفة باللياقة والرياضة، جيل شبابي منفتح يرفع الشعلة الحزبية بثقة، ويجدّد دماء الحزبَين، ويطرح أفكاراً رؤيوية خلاّقة بعيداً عن الرشاوى الانتخابية (وبالذات، الخفض الضريبي) والوعود الكذابة والمناكفات الفئوية والمزايدات الشعبوية، وصولاً إلى انهيار المنطق عند الديمقراطيين في التعامل مع المسألة «الجندرية»، وانهيار الخجل عند الجمهوريين في الموضوع العنصري.

بشيء من النفاق، كما أزعم، أبدى بعض الساسة الديمقراطيين استغرابهم «العلني» للأداء المتعثر البائس لبايدن، مع أن «الاستغراب» هو الأمر المستغرَب في ظل ما رأيناه من تراجع وضعه خلال السنوات الأخيرة. مع هذا، وعلى الرغم من التعقيدات الإجرائية الكبيرة، لا أستبعد شخصياً أن تتزايد الجهود في الكواليس لإيجاد مَخرج لائق يحفظ لبايدن البقية الباقية من كرامته.

أعتقد أن غالبية الديمقراطيين، ساسة وناخبين، يدركون الآن أن خيار «الهروب إلى الأمام» غدا انتحارياً. وبالتالي، لا بد من التوصّل إلى صيغة عاقلة تختار «فرس سباق» رابحاً، وتتجاوز عقدة نائبة الرئيس كمالا هاريس - المخيّبة جداً للآمال منذ تولّت منصبها -، وتتجنّب في الوقت عينه إغضاب قاعدة الحزب السوداء.

أما على الضفة الجمهورية، فمن شأن سوء أداء بايدن أن يزيد صَلَف ترمب، ويعزّز ثقة مناصريه بالذهاب أبعد في سياسة شعبوية صدامية وإلغائية. إذ كانت تجربة ترمب الرئاسية قد علمتنا أن مواقفه لا تميّز بين الصديق والعدوّ، ولا تعترف بمبادئ وضوابط، ولا تلتزم بمواثيق وأنظمة... وهذا في عالم يجنح بصورة خطرة نحو مزيد من التطرف في كل مكان.

حتى معاقل الديمقراطية المؤسساتية في أوروبا الغربية، ما عادت بمنأى عن صعود البلطجية الشعبوية، والعنصرية الفجة، والمزايدة الوقحة في التطرف...

فرنسا المتجهة في هذه الساعات إلى مراكز الاقتراع قد تكون أولى الثمار الساقطة إذا قُيّض لغلاة «التجمع الوطني» الفوز في الانتخابات العامة. أما في بريطانيا وألمانيا - حيث الديمقراطية أكثر رصانة وأقل «شخصانية» - فإن المناخ السياسي أخذ يجرّد قوى الاعتدال في معسكرَي اليمين واليسار من أرصدتها، وهذا بعدما جرّدتها «حرب تهجير غزة» من صدقيتها.

في بريطانيا، ما عاد الناخب اليميني المتطرف مضطراً للتستر برداء حزب المحافظين، بعدما كسر الخروج من أوروبا (البريكست) «حرم» الخجل من تهمة «العنصرية». وها هم العنصريون و«الفاشيون الجدد» يدلفون الآن إلى حزب الإصلاح اليميني، الذي تعطيه استطلاعات الرأي في انتخابات الأسبوع المقبل نسبة تأييد توازي نسبة المحافظين. وعلى الضفة المقابلة، على الرغم من توقّع تسجيل حزب العمال تقدّماً طيباً، فإن كثيرين من محازبيه الساخطين على قيادته الحالية المناوئة لليسار... إما سيعزفون عن التصويت، أو سيواجهونه في معارك انتقامية، أو سينتقمون بالتصويت تكتيكياً لصالح حزبَي الديمقراطيين الأحرار (وسط)، و«الخضر» (بيئة).

وأما في ألمانيا، فقد صار حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، الذي يستنهض خطابه مشاعر «النازية الجديدة»، قوةً يحسب حسابها، ولا يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (يمين الوسط) قادرون على كبحه. وفي المقابل، تتلاشى بسرعة لافتة صدقية القوى اليسارية والليبرالية الأخرى... وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الذي يقود ائتلاف يسار الوسط الحاكم.

واقع كهذا، سيغدو أسوأ وأخطر بكثير بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في أميركا إذا ظلّت الأمور على حالها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أساتذتَنا في الغرب ما درسكم الجديد لنا أساتذتَنا في الغرب ما درسكم الجديد لنا



GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

من ضرورات الحياة

GMT 17:35 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

صراع «البرتقال» و«التورتة»!

GMT 17:33 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

لا حرب قريبة على لبنان

GMT 17:31 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

خطر اليمين القادم!

GMT 17:29 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

الذكاء الاصطناعي والحرب

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بوخارست - المغرب اليوم

GMT 19:38 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

الجمبسوت الخيار الأول لهيفاء وهبي بلا منازع
المغرب اليوم - الجمبسوت الخيار الأول لهيفاء وهبي بلا منازع
المغرب اليوم - أفكار للكراسي المودرن الخاصة بالحديقة المنزلية

GMT 16:41 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

قائمة تضم 14 فاكهة توفر أعلى وأقل كمية من السكر
المغرب اليوم - قائمة تضم 14 فاكهة توفر أعلى وأقل كمية من السكر

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن موسم دراما رمضان 2025
المغرب اليوم - محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن موسم دراما رمضان 2025

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 20:18 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

كيليان مبابي سيخضع لعملية جراحية بسبب أنفه

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 01:15 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أسماء عبد الله تعلن أنّ أزياء الشتاء للمرأة الممتلئة "أنوثة"

GMT 07:08 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أسوأ 10 أفلام أميركية تمّ عرضها في عام 2017

GMT 13:20 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

منتخبات المونديال تنتظر تحديد طريقها في قصر "الكرملين"

GMT 22:30 2015 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب أم صلال يرى أن حكم لقاء الأهلي لم يكن جيدًا

GMT 02:37 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الأفكار لديكورات المنزل في فصل الخريف

GMT 15:20 2023 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

رئيسة وزراء إيطاليا تنفصل عن شريك حياتها

GMT 15:42 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

الفحوصات تؤكد تعافي المغربي بدر بانون

GMT 10:32 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق الوداد يحقق فوزاً عريضاً على الرجاء في ديربي الصغار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib