المرحلة المرقطة

المرحلة المرقطة

المغرب اليوم -

المرحلة المرقطة

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

لا أذكر على وجه الضبط متى بدأت مشكلتي مع العسكر والسياسة. ففي سنوات الفتوة نتعلّم أنهم أبطال بالحروب ونبلاء بحالة السلم، وكان بعضهم يحمل القامة النبيلة مثل «أميرالدي»، وأمير الجند، تقديراً للمهام الرفيعة في حياة المدنيين وسلم الأوطان. وفي الحرب العالمية الثانية لمعت أسماء كثيرة من أصحاب البزّات العسكرية، ليست في الحروب، وإنما في الإنجازات الإنسانية. أحب أن أقول إن موقفي من الأنظمة العسكرية التي اختطفت العمل السياسي، ليس مرضياً. وأنا مثل كل الناس أحكم على الرجل وليس على البزّة التي يرتديها، أو النجمة، أو الشريطة التي يعلّقها. وقد أصبح لنا من التجارب مع الأنظمة العسكرية في العالم العربي ما يكفي لتحديد موقفٍ مثبت ومسند مما فعلوه بالأمّة. ولست أعني بذلك على الإطلاق الهزائم العسكرية التي ألحقوها بشعوبهم، فهذا ينطبق على منطق الربح والخسارة والحظ وسوء الحظ. والهزيمة ليست حكراً على العرب، ولا على عسكرهم، فها هو نابليون بعدما سيطر على أوروبا برمّتها يُهزمُ في آخر معاركه بسبب تقيّد أحد جنرالاته الأعمى بالأوامر. نتحدثُ هنا عن العسكر الذين أساءوا إدارة الحكم المدني واستخدام القانون، وفشلوا فشلاً رهيباً معيباً في الاقتصاد، والتعليم، والتنمية. وأعاقوا مسيرة الشعوب والأجيال، مخلّفين أكداساً من الشعارات الفارغة والألفاظ السقيمة والتبريرات المرَضية والمريضة.
لم يتركوا لنا تجربة واحدة نعتزّ بها أو ندافع بسببها عن تسليم الثروات والمقدّرات والطاقات لمجموعات من المغامرين والمقامرين بسيادات الدول ورفاه الشعوب. يؤسفني، متحدثاً باسم الناس العاديين أمثالي، أن العسكر علمونا أيضاً ألا نثق بوعد يقطعونه، أو كلمة، أو حتى قسم يؤدّونه. التجربة الأخيرة في السودان لم تخدعني لحظة واحدة، تماماً مثل تجربة عمر البشير من قبل، أو تجربة النميري. ودليلي الدائم على أن المسألة في الرجل لا في البزّة، هو ذلك «الذهبي» الجميل النبيل الكبير الخُلق الربعي القامة، سوار الذهب.
لكن ليس في كل زمن نُعطى مثل هذا المعدن من العمالقة. المؤسف أن تاريخ العسكريين في السودان وغيرها، لا يعدُ بشيء. عندما قيل إن العسكر والمدنيين سوف يتقاسمون السلطة في الخرطوم إلى حين، كتبتُ أن ليس من عاداتهم أن يتقاسموا شيئاً مع أحد، ولا أن يعطوا المدنيين أي حق من حقوقهم، ما داموا يخاطبونهم من أعلى الدبابة. ومع ذلك قال العرب جميعاً في دواخلهم، فلنجرّب لعلّ وعسى. وكانت النتيجة أنّه بدل الاستمرار في التقاسم التقليدي بين عسكري ومدني، عدنا إلى أوائل الستينات والحرب بين عسكري وعسكري، وبين ثكنة وثكنة، والمؤسف أن أطيب الشعوب العربية لا يلقى من حظ سوى الثياب المرقطة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرحلة المرقطة المرحلة المرقطة



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لإتقان فن إختيار المعاطف التي تلائم إطلالتك في شتاء 2025
المغرب اليوم - نصائح لإتقان فن إختيار المعاطف التي تلائم إطلالتك في شتاء 2025

GMT 00:20 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

دليلك الشامل لإختيار الكرسي المُميز المناسب لديكور منزلك
المغرب اليوم - دليلك الشامل لإختيار الكرسي المُميز المناسب لديكور منزلك

GMT 10:42 2024 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

داليا البحيري تُبدي إعجابها بمدينة طنجة المغربية
المغرب اليوم - داليا البحيري تُبدي إعجابها بمدينة طنجة المغربية

GMT 20:58 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 08:59 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

اثر الفساد على الدخل القومي

GMT 21:17 2024 الخميس ,01 آب / أغسطس

كمبيوتر عملاق يكشف أسرار الأدوية

GMT 02:58 2016 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

دراسة تكشف علاجًا جديدًا لمرضى السكري من جلد المرضى

GMT 22:20 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

رسميًا برشلونة يعلن غياب ديمبلي 10 أسابيع للإصابة

GMT 05:48 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

4 أسباب تجعل هولندا "جنة الدراجات الهوائية"

GMT 10:00 2019 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

" وصايا" للكاتب عادل عصمت الأكثر مبيعًا بالكتب خان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib