ندولا أم كاتانغا
أخر الأخبار

ندولا أم كاتانغا؟

المغرب اليوم -

ندولا أم كاتانغا

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

ليل الثامن عشر من سبتمبر (أيلول) 1961 كانت طائرة من طراز «دي سي 6» قادمة من مدينة ليوبولدفيل (لاحقاً كينشاسا)، عاصمة الكونغو المستقلة حديثاً، عندما سقطت في غابة كثيفة على بعد تسعة أميال من مدينة ندولا، شمال روديسيا (زامبيا).

كانت الليلة مقمرةً والطقس صافياً. وكان على تلك الطائرة، السويدي داغ هامرشولد، ثاني أمين عام للأمم المتحدة، الذاهب إلى ندولا للقاء مويس تشومبي، زعيم إقليم كاتانغا المنشقّ، والمتهم بالعمل لحساب شركات المناجم البلجيكية.

قُتل هامرشولد وستة من مرافقيه وبقي أحد الصحافيين حياً «لبضعة أيام»، ثم توفي متأثراً بجروحه. وبوفاته فُقد الشاهد الأخير في حادث قيل، في شبه إجماع، إنه مدبَّر لقتل الرجل الذي قال عنه جون كينيدي: «أنا لست شيئاً أمامه. إنه أعظم سياسي في القرن العشرين».

شاعت آنذاك نظريات عدّة؛ منها ما اتهمت «سي آي إيه»، ومنها ما قالت إنها شركات المناجم، لكنّ أحداً لم يَقُلْ إنه قضاء وقدر. ودخل مقتل أهم أمناء المنظمة الدولية في باب الجرائم العالمية الغامضة مثل اغتيال جون كينيدي، أو مثل حكايات الصحون الطائرة، والكائنات الفضائية.

ومن باب آخر، دخل الأستاذ الجامعي التاريخ بوصفه واحداً من أكثر سياسيي العالم نُبلاً وشهامةً وشجاعةً. بين الكتب التي وُضعت عن القضية، واحد مرجعي من تأليف الباحثة سوزان ويليامس. والآن تعود في كتاب آخَر من إصدارات جامعة «ييل» يرتكز على الكلمات الأخيرة للشاهد الأخير. يُقرأ الكتاب بمتعة مثل كتب التشويق، لكنه لا يضيف شيئاً ولا يحل لغز أول شهداء أفريقيا، وأهم شهداء الأمم المتحدة. لماذا إذن الكتابة عنه؟ لأنه في تلك الليلة، كان شاباً في العشرين من العمر، جالساً وراء مكتب خشبي عتيق، في جريدة عتيقة، يترجم الأخبار القادمة من «ليوبولدفيل وستانليفيل وندولا وكاتانغا». بعض تلك الأسماء بقي، وبعضها زال، إلا من الذاكرة. لكنْ هذه هي مهنة الصحافة.

إنها تضع العالم على بُعد آلاف الأميال، بين يدي صحافي ناشئ غير واثق بأنه قادر على تأمين عشاء صحن الفول. غير أن هذه المهنة الساحرة تأخذه إلى ندولا وتعبر به نهر الكونغو، وتملأه حزناً وغضباً لمقتل هامرشولد وباتريس لومومبا ومارتن لوثر كينغ. إنني لا أتعب من إسداء الشكر إلى هذه المهنة. كم عرَّفتني من الناس والبلدان والأحداث، وكم مكّنتني من مشاهدة التاريخ، إمَّا مِن وراء مكتب، وإما من غابة في كينيا، وإما من ساحة المرتزقة الذين يجنَّدون للقتال ضد أحرار أفريقيا. وأعتقد أنني، من جانبي، كنت أميناً لها. لم أُشعرها مرة بأن في إمكاني أن أتخذ أي مهنة أخرى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ندولا أم كاتانغا ندولا أم كاتانغا



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لإتقان فن إختيار المعاطف التي تلائم إطلالتك في شتاء 2025
المغرب اليوم - نصائح لإتقان فن إختيار المعاطف التي تلائم إطلالتك في شتاء 2025

GMT 00:20 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

دليلك الشامل لإختيار الكرسي المُميز المناسب لديكور منزلك
المغرب اليوم - دليلك الشامل لإختيار الكرسي المُميز المناسب لديكور منزلك

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

استشهاد المذيعة السورية صفاء أحمد في قصف إسرائيلي على دمشق
المغرب اليوم - استشهاد المذيعة السورية صفاء أحمد في قصف إسرائيلي على دمشق

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib