مفكرة القرية شهر العباقرة والصقيع
أخر الأخبار

مفكرة القرية: شهر العباقرة والصقيع

المغرب اليوم -

مفكرة القرية شهر العباقرة والصقيع

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

تتجمّد المياه على أغصان الأشجار العارية مثل أضواء شفافة على ثريا. صقيع يلفّ الأودية والهضاب والأهالي والأعالي. العتم يقصّر النهارات، والشمس تأوي باكراً، مثل الرعيان المتخوفين من عاصفة. الطرق زلّاجة العشب اليابس. السواقي ترسل من بعيد أصوات تجمع الأمطار. الناس في البيوت تخشى أن تظل تهطل إلى أن تجرف ما بنوا من جدران وسدود. تدور الناس داخل البيوت حول نفسها، وحول المواقد وحول جيرار المؤن: رجاء، اترك مطرك عندنا وامض. احمل صقيعك وامض. برد وعتم وأمطار وطوفانات متمردة، صفِرة تجرف في طريقها الأمل بالحصار، وحسابات البيادر.

لا طير على مدّ النظر. الدكان مغلق والساحة خالية تصغي في وجل إلى صفير الريح ولجاجة المطر. العتم يتكثف، مستعيراً من نفسه غابات من الظلام. الليالي تطول والفجر يتأخر. النجوم تتوارى وبريقها يغيب. الهطول مستمر وملح ولجوج. البرق يتكاثر، إنه، مثل المطر، نازل من السماء، طالع من الأرض، تتدفق متفجرة، متدحرجة، متواقعة من الأرجاء والنواحي والأقنية، تتجمع مثل بحر صغير فوق يابسة لا تتسع له.

أجل، لقد حزرت. إنه فبراير (شباط). يخافه الأهل، ويحبه الأبناء لأنه شهر الحكواتية والحكايات. يحتجز الكبار في المنازل ويطالبهم الصغار بحق التسلية، بما قد حفظوا عن آبائهم من قبل. لا شيء جديد، يا بنيّ. اليوم حكاية الزير، وغداً واحدة من كليلة ودمنة. وعندما تفرغ الجعبة من قصص بنات آوى، يبدأ الحكواتيون بالتندّر بحكايات أهل الضيعة. ولكل منهم لقب جديد، أو موروث. الحردون (الضّب)، والواوي (لقب الجبان)، والبسين (أيضاً)، والمقدحجي (كثير السخرية)، والزيلعي.

ومن عضبهم يسمي القرويون الشهر الثاني في الشتاء «شباط اللباط»، لكنهم إذ يخافون غضبه، يستدركون ويدللونه «شباط، لو شبط أو لبط، ريحة الصيف فيه».

يتسلون في لياليه الكالحة. كانوا يقولون عن المختار إنه «فجلة بريّة»، وعندما كبرنا عرفنا أنها بالبرتغالية تعني «ساراماغو»، عائلة حامل نوبل الآداب. خوسيه ساراماغو. وفي البحث عن مادة لهذه الزاوية تبين لي أن لكل بلد كبير أديباً كبيراً من مواليد فبراير (شباط): فيكتور هيغو في فرنسا، وتشارلز ديكنز في بريطانيا، وجون ستانبيك من أميركا، وجيمس جويس في آيرلندا.

إنه شباط في كل مكان. له اسم واحد وبرد وعتم، وقرى ترتعد حول المواقد التي ترمي نارها في الرماد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية شهر العباقرة والصقيع مفكرة القرية شهر العباقرة والصقيع



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لإتقان فن إختيار المعاطف التي تلائم إطلالتك في شتاء 2025
المغرب اليوم - نصائح لإتقان فن إختيار المعاطف التي تلائم إطلالتك في شتاء 2025

GMT 00:20 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

دليلك الشامل لإختيار الكرسي المُميز المناسب لديكور منزلك
المغرب اليوم - دليلك الشامل لإختيار الكرسي المُميز المناسب لديكور منزلك

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

استشهاد المذيعة السورية صفاء أحمد في قصف إسرائيلي على دمشق
المغرب اليوم - استشهاد المذيعة السورية صفاء أحمد في قصف إسرائيلي على دمشق

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib