مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

المغرب اليوم -

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

طارق الشناوي
بقلم -طارق الشناوي

لدىَّ أمل كبير هذا العام أن تعود السينما المصرية من (كان) وهى متوجة بجائزة، ولدينا فيلمان (12 شرق) لهالة القوسى فى قسم (أسبوعى المخرجين)، و(رفعت عينى للسماء) فى قسم (أسبوع النقاد) لندى رياض وأيمن الأمير، سوف نتناولهما فى هذه المساحة بعد عرضهما الرسمى.

رحلة كل عام صارت مع الزمن كذلك، ساعتى البيولوجية، منذ 32 عامًا، مبرمجة ومضبوطة على (كان)، فى مدة زمنية تمتد نحو 14 يومًا، يتغير كل شىء فى طقوس اليوم، بعد 48 ساعة، تبدأ الرحلة منذ ركوب الطائرة إلى مدينة أوروبية، لديها خط طيران مباشر إلى مدينة (نيس)، وتنتهى أحيانًا إلى مدينة أوروبية أخرى لها خط مباشر إلى القاهرة، الرهان والمفاضلة على سعر التذكرة الأقل وساعات الانتظار الأقل، ما بين موعد وصول وإقلاع الطائرة، الرحلة قطعًا مرهقة على كل المستويات الأدبية والمادية، ولكن كما قالت صباح (الغاوى ينقط بطاقيته).

المهرجانات تتلاحق وأنا أترك نفسى نهبًا لها فاتحًا دائمًا ذراعى.. جداولها هى جداول حياتى.. أصحو طبقًا لعرض أول فيلم، وأنام بعد مشاهدة الفيلم الأخير، مواعيد المهرجانات هى دستورى الدائم الذى لا أستطيع أن أخالفه مهما كانت الأسباب، حتى عام 2021 عندما توحشت (كورونا) وبات السفر مغامرة بكل التنويعات لم أعتذر عن حضور ( كان)، رغم ما أتكبده من نفقات يزداد معدلها عامًا بعد عام بسبب قوة (اليورو) المتصاعدة مقارنة بالجنيه المصرى، وأترحم دائمًا على أيام (الفرنك) الفرنسى الطيب المتواضع الذى عاصرته فى مرحلة التسعينيات حتى مطلع الألفية الثالثة، الجنيه وقتها كان قادرًا على أن يقول للفرنك بالفم المليان (قوم أقف وانت بتكلمنى).

أتابع فى المهرجانات الأفلام والندوات وأيضًا الوجوه.. وجوه البشر، أرى كيف يرسم الزمن بصماته التى لا تُمحى على وجوه زملائى، وأقول من المؤكد أنهم يشاهدون الزمن وهو ينطق بل يصرخ على ملامحى، ولكنى أقول لنفسى ربما يكون الزمن كريمًا معى، أو بتعبير أدق أظن ذلك وأرجو ألا يخيب ظنى.

أسعد كثيرًا بالمهرجانات التى أشهد لحظة ميلادها، أتذكر المرة الأولى التى وُجهت لى الدعوة لحضور مهرجان (دبى) عام 2004، أعتبر نفسى شاهد إثبات على تطورها مثل (أبو ظبى) و(الدوحة) و(وهران) و( الجونة) و(البحر الأحمر)، هذه المهرجانات وغيرها، كنت شاهدًا على بدايتها الأولى وبعضها توقف، برغم نجاحه المشهود.

عرفت مهرجان (كان) بعد أن تجاوز عمر المهرجان، وليس عمرى أنا، الأربعين، أول مرة ذهبت إليه عام 92 فى دورته رقم 45، لا أتابع فقط الأفلام ولكنى ألاحظ أيضًا البشر، كنت أرى فى الماضى شحاذة فى مدينة «كان» وهى تحمل طفلًا عمره عام، وبعد مرور عقود من الزمان لايزال الطفل فى عامه الأول، هناك نصاب أتفاءل بلقائه كل عام، مع أول يوم وأنا فى طريقى للفندق، يكرر معى نفس الحيلة، سنويًا، يلقى أمامى بخاتم له ملامح ولون الذهب، وينظر إلىَّ وعندما لا يجد على وجهى الدهشة، ولا أهمَّ بالتقاط الخاتم، يهم هو بالنيابة عنى، ويقول لى هذا خاتمك، ويطلب فقط لإتمام الصفقة أن أمنحه 500 يورو، ثم يهبط بها إلى 100، وأعتذر له لأننى لا أحمل (يورو) ولا (دولار) ولا (ين)، ويتركنى إلى حال سبيلى، ويبحث عن زبون آخر.

أرى القاعات والأشخاص حتى الذين لا أعرفهم شخصيًا، إلا أننى أراهم من ملامح حياتى.

فى المهرجان الذى يُفتتح مساء الثلاثاء القادم، تعودت الاستماع إلى هتاف يسبق عرض أى فيلم، يكررون فيه اسم (راؤول)، علمت أنه ناقد فرنسى راحل تعود فى صالة عرض الصحافة أن ينطق عند إطفاء الأنوار، بصوت مسموع باسمه، وبعد رحيله لايزال زملاؤه القدامى يهتفون بمجرد إطفاء نور القاعة قبل العرض «راؤول.. راؤول»، مداعبة حتى لو حطمت (بروتوكول) العرض أراها مقبولة تمامًا.

فى المهرجانات نكتب عن الأفلام والندوات واللقاءات وحتى الكواليس بكل تفاصيلها، لكننا لا نكتب عن أنفسنا، وعما نشعر به لأننا لسنا آلات تذهب لتغطية المهرجانات.. إننا بشر، وأعترف لكم بأن أسوأ مشاهدة للأعمال الفنية هى تلك التى نجد أنفسنا مضطرين لحضورها فى المهرجانات، لأننا متخمون بكثرة الأفلام التى تتدفق علينا، فى اليوم الواحد قد يصل كم المشاهدات أحيانًا إلى خمسة أفلام.. هل هذه عدالة؟! بالطبع لا، نحن نظلم أنفسنا بقدر ما نظلم الأفلام.. لأنك بعد أن تشاهد الفيلم ينبغى أن تعايشه ليشاهدك الفيلم ويتعايش معك، ولكن كيف يتحقق ذلك وأنت تلهث من فيلم إلى آخر، ثم بعد أن نعود من السفر ينبغى أن تستعيد نفسك قليلاً قبل أن تشد الرحال إلى مدينة أخرى ومهرجان آخر، ووجوه تلتقى بها كثيرًا ووجوه تشاهدها لأول مرة، أسعد بالأيام وأشعر بالشجن على الزمن الذى يُسرق من بين أيدينا، نعم المهرجان يعنى عيد وفرحة وبهجة وهو بالنسبة لى يحقق كل ذلك، إلا أنه أيضًا يخصم من أعمارنا زمنًا.. أشعر بمرارة الأيام والسنوات المسروقة..

أتذكر فى بداية أيام المهرجان شخصيات عديدة من كبار النقاد والصحفيين كانوا بالنسبة لى هم المهرجان.

مؤكد كلهم أعزاء، مَن على قيد الحياة أو غادرونا، مَن عاصر مرحلة التسعينيات فى المهرجان يتذكر أننا كنا نطلق لقب (العمدة) على الكاتب الكبير وحيد حامد، الذى كان كعادته يصحو مبكرًا ويذهب إلى الصالة الصحفية (دى بى سى) ويحجز أكثر من 15 مقعدًا بوضع المجلات السينمائية عليها، وكان هؤلاء يشكلون نصف المصريين الحاضرين، بينما من كان يحظى عن جدارة بلقب العميد فهو الإعلامى الكبير يوسف شريف رزق الله، الذى كثيرًا ما كان يدخل فى نقاش مع دكتور رفيق الصبان، الكاتب والناقد الراحل، لاختيار الأفلام التى ستُعرض اليوم، والأفلام الأخرى التى يمكن تأجيلها لأن لها مواعيد أخرى.

عدد الحاضرين تقلص مع الزمن، إلا أن هناك جيلًا من الصحفيات والناقدات الصاعدات، يتشاركن سنويًا فى مكان الإقامة ويحضرن المهرجان على نفقتهن الخاصة، معبرات عن عشق حقيقى للسينما.

يقول عبدالوهاب: أنا من ضيع فى الأوهام عمره.. أما أنا فأقول لكم: أنا من ضيع فى المهرجانات عمره!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib