منديل أم كلثوم وفستان روبي

منديل أم كلثوم وفستان روبي!

المغرب اليوم -

منديل أم كلثوم وفستان روبي

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

أجمل الزهور لم تتفتح بعدْ، وأبدع القصائد لم تكتب بعدْ، وأروع الأفلام لم تصنع بعدْ. الحياة حتى تتقدم دائمًا ما ترنو للأمام، تنتظر الغد بأن يأتى بما هو أفضل من الأمس، لا بأس بالطبع من أن نعتز بتفاصيل جميلة من الماضى، ونردد بعض ما حفظناه من أغنيات وموسيقى وأفلام، ولكن علينا ألا نقع أسرى فعل (كان)، بل نردد مثل ليلى مراد: (كان فعل ماضى ما تسيبه في حاله / والماضى إحنا مالنا وماله).. لا أطالب بالطبع بأن نلتزم حرفيا (الماضى إحنا مالنا وماله)، لا بأس بقليل من (كان)، ولكن علينا أن نوقف تمامًا هذا الاعتقاد الراسخ الذي يجعلنا أبواقًا للأمس، نعتقد بل نجزم بأن الأيام الجميلة فقط هي تلك التي عاشها آباؤنا وأجدادنا، وأن أجمل الأفلام هي التي شاهدوها.

من الضرورى، بل الصحى أيضًا، أن تعيش كل المجتمعات أحاسيس «النوستالجيا»، الحنين للماضى، على شرط أن تصبح أشبه بومضات، تأتى بين الحين والآخر على فترات متباعدة، ويظل اليوم والغد هو الذي نعيشه أو نحلم به.

دائمًا ما أشعر أن عالمنا العربى يعيش في الزمن الماضى أكثر مما يعيش الحاضر، لدينا دائمًا أحكام مسبقة نرددها حتى دون أن نتأكد من صحتها. الكل يقول أفلام الأمس هي العصر الذهبى للسينما.. ونقصد الخمسينيات.. وعندما تسأل أحدًا عن مطربه المفضل يقول لك على الفور: «عبدالحليم حافظ»، على اعتبار أن عبدالحليم هو آخر صيحة في الغناء، أما المطربة فإنها ولا شك أم كلثوم.. وأنا بالطبع لا أقلل من الإنجاز الفنى لأساطين الغناء الذين قدموا لنا الكثير ولا نزال نستمتع ونردد إبداعاتهم، ولكن هل حقيقة بعد عبدالحليم وأم كلثوم وفيروز وعبدالوهاب وفريد الأطرش لم يظهر في الساحة مطرب أو مطربة يعشقه الجمهور؟

الفن دائمًا هو ابن الزمن، وكما يتغير إيقاع الحياة يتغير أيضًا إيقاع الناس، وأيضا إيقاع الفن.. كان محمد عبدالوهاب مرفوضًا كمطرب في الثلاثينيات؛ لأنه جاء بأداء وبألحان مغايرة لمن سبقوه مثل: عبده الحامولى ومحمد عثمان وداوود حسنى، كذلك كان عبدالحليم مرفوضًا في الخمسينيات؛ لأنه تبنى منهجًا مغايرًا لما قدمه محمد عبدالوهاب. ومن المؤكد أن جيل «عمرو دياب» يختلف تمامًا في أدائه عن جيل عبدالحليم.. والذى منح عمرودياب حضوره حتى الآن أنه هضم كل من جاءوا بعده. والمأزق أننا نستمع مثلا إلى أحمد سعد بقانون عبدالحليم، وننتقد فستان روبى، بينما عيوننا تترحم على منديل أم كلثوم الشهير!.

لو ذهبت إلى مقهى أم كلثوم الشهير في وسط العاصمة، لوجدت أن صور أم كلثوم على الجدران لا تزال تشهد على عظمة هذا الصوت، وأن المقهى لا يقدم سوى أغنياتها، إلا أن صوت «قواشيط» الطاولة بات يعلو على صوت (آهات) أم كلثوم، كانت تقاليد هذا المقهى حتى الثمانينيات تقضى بأن يأتى الرواد للاستماع فقط مع مشروب ساخن أو بارد. المؤكد أن الناس تغيرت، وأيضًا تغير ذوق الجمهور.

وعلينا أن نتعامل مع مفردات الزمن، لم يكن هناك في الماضى على سبيل المثال (new look)، كان أقصى ما يفعله المطرب هو أن يرتدى بدلة وقميصا على الموضة.. الآن، المطرب يغير ملامحه مع كل شريط جديد.. وتابعوا عمرو دياب الذي يطل علينا مرة بلحية وأخرى بدون، مرة بشعر أسود وأخرى بشعر أصفر، نراه نحيلًا مرة وبعد ذلك نجده مثل مصارعى الأوزان الثقيلة، أحيانا بحلق في أذنه، وأحيانا ينسى ارتداء الحلق.

جميل أن نعود بين الحين والآخر إلى ماضينا ونستمتع بالأفلام والأغنيات القديمة، على شرط أن يصبح ذلك أقرب إلى الزيارة الخاطفة، ولكننا نعود مسرعين إلى الحاضر نقيم فيه ونعيشه بقانونه.. من يدير ظهره للزمن، يتركه الزمن يعيش خارج الحياة يردد وحيدًا: (أمان يا لالالي) والناس تغنى (سطلانة)..!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منديل أم كلثوم وفستان روبي منديل أم كلثوم وفستان روبي



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib