«أم كلثوم» و«عبدالحليم حافظ» قبلات وصفعات

«أم كلثوم» و«عبدالحليم حافظ».. قبلات وصفعات!

المغرب اليوم -

«أم كلثوم» و«عبدالحليم حافظ» قبلات وصفعات

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

جمع بين أم كلثوم وعبدالحليم حافظ الكثير من المساحات المتنازع عليها، (العندليب) بحكم الزمن مواليد ١٩٢٩ هو ابن ثورة ٥٢، بينما (الست) بنفس المقياس مواليد ١٨٩٨ ابنة ثورة ١٩، فهى أكبر منه بنحو ثلاثة عقود من الزمن، ورغم ذلك كانت حريصة على أن تتصدر المشهد فى الهتاف للثورة ولجمال عبدالناصر.

قبل أن أشرع فى تناول تلك الحكاية المفرطة فى حساسيتها، والتى دفعت عبدالحليم إلى مهاجمة أم كلثوم فى حفل ٢٣ يوليو ١٩٦٥ على المسرح، وفى حضور عبدالناصر، دعونا نتوقف عن المشترك بين القمتين.

قبل دقائق، استمعت بالمصادفة إلى أغنيتين متتاليتين على محطة الأغانى، الأولى (الفوازير) المعروفة باسم

(قولى ولا تخبيش يا زين/ إيش تقول العين للعين؟).. والثانية (أول مرة تحب يا قلبى). أغنية (ثومة) كتبها «بيرم التونسى» ولحنها الشيخ «زكريا أحمد» ضمن أحداث فيلم (سلامة)، تقول كلماتها: (قولى ولا تخشاش ملام/ حلال القبلة ولا حرام؟)، ترد «أم كلثوم»: (القبلة القبلة القبلة/ القبلة إن كانت من ملهوف/ اللى على ورد الخد يطوف/ ياخدها بدال الواحدة ألوف/ ولا يسمع للناس كلام/ ولا يخشى للناس ملام).. الأغنية الثانية لحليم (أول مرة تحب يا قلبى) فيلم (الوسادة الخالية)، كتبها «إسماعيل الحبروك» ولحنها منير مراد، وبها هذا المقطع الذى حذفه يومًا ما موظف فى الإذاعة قرر محاكمة الأغانى بمنظور أخلاقى، لم يقترب من أم كلثوم لأن لديها حماية سياسية، فاستعرض سطوته ضد عبدالحليم فى هذا المقطع (لسة شفايفى شايفة غرامك/ شايلة أمارة حبك ليا)، لو أننا طبقنا معيارًا أخلاقيًّا مباشرًا على أغنية «أم كلثوم» فسوف تجد أن (الست) تتحدث عن آلاف من القبلات، بينما «عبدالحليم» لم يتجاوز ما غنى له سوى عدد محدود جدًّا من القبلات، لو أننا قررنا أن نبحث عن التصريح المباشر بالقبلات لاكتشفنا أن «عبدالحليم حافظ» كان يغنى للقبلة بإيحاء وعلى استحياء، و(على الضيق) جدًّا، بينما «أم كلثوم» فتحتها على البحرى- ياخدها بدال الواحدة ألوف- ولم تشترط سوى أن يكون ملهوفًا فقط، وبعدها مسموحًا له بطوفان من القبلات. مثلًا «محمد عبدالوهاب» يغنى فى قصيدة «جفنه علم الغزل»، التى كتبها بشارة الخورى، هذا المقطع (فى جحيم من القبل)، وليس بالطبع الجحيم بمعناه المتعارف عليه هو الذى يقصده «بشارة» عندما وصف به القبلات، لكنه يريد أن يؤكد طوفان القبل. مع الزمن سقط قرار الحذف بالتقادم، وسُمح بتداول الأغنية كاملة وبثها عبر أثير الإذاعة. الرقابة لم تستطع الاقتراب من كوكب الشرق ولا موسيقار الأجيال، ولكن عبدالحليم كما أشارت الإذاعية الكبيرة إيناس جوهر فى أحد لقاءاتها تحدى الرقيب وغناها «ع الهوا» فى إحدى الحفلات.

الإذاعة وقتها رسميًّا حذفتها، قبل أن يُسمح بتداولها رسميًّا أيضًا بعد رحيل عبدالحليم، إلا أنها فى نفس الوقت لم تفتح النيران ضد عبدالحليم، عندما تعمد إحراج المسؤولين على الهواء، بينما أم كلثوم لديها حماية أكبر، فلم يجرؤ أحد على أن يراجعها، وظلت تتمتع بتلك الحماية طوال زمن عبدالناصر.

لو تأملنا أغنيات الثورة التى رددها الثلاثة الكبار أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم، فسنكتشف أن الأكثر شعبية أغنيات عبدالحليم، والقسط الأكبر منها وضع ألحانه كمال الطويل، ويأتى فى الصدارة اسم الشاعر صلاح جاهين، ولكن يظل أحمد شفيق كامل صاحب الخيال المحلق فى التعبير من خلال أغنيات مثل (قولنا ح نبنى/ وأدى احنا بنينا السد العالى)، بتلك الجملة المشاغبة (ضربة كانت من معلم/ خلَّى الاستعمار يبلم)، لأول مرة يصف الرئيس بـ(المعلم)، ويستخدم مفردة (يبلم) فى أغنية وطنية، كما أننا فى (مطالب شعب) استمعنا إلى صوت جمال عبدالناصر على المسرح.

طبعًا كمال الطويل هو الأكثر جرأة وخيالًا بين كل الملحنين عبر التاريخ، مثل استخدام المزمار البلدى والدفوف والزغاريد والتصفيق، بينما كانت أغنيات أم كلثوم أكثر وقارًا، وهى تغنى من شعر عزيز أباظة وتلحين رياض السنباطى قصيدة السد (يفتح الرزق وهو سد/ فينساب جنوبًا/ فى أرضنا وشمالًا). أتصور أن عبدالحليم كان يشعر أن أغانيه لعبت دورًا أكبر للثورة وعبدالناصر، ومن حقه أن يحظى برعاية الدولة بنفس قدر أم كلثوم.

وربما كان هذا هو الدافع لكى يهاجم ويغمز ويلمز ضد أم كلثوم على الهواء وبحضور الرئيس عبدالناصر، فى نادى الضباط، عندما استشعر أنها تريد تهميشه، وغنت قبله، ولمدة ساعتين ونصف الساعة، يوم ٢٣ يوليو ١٩٦٥، وكان المفترض أن المطرب الأكبر والأهم هو الذى ينهى السهرة، إلا أنها طلبت فى اللحظات الأخيرة أن تبدأ هى، وغنت لأول مرة من شعر كامل الشناوى وتلحين عبدالوهاب قصيدة (على باب مصر)، ثم قدمت بعدها أغنيتها الشهيرة (إنت عمرى) تأليف أحمد شفيق كامل وتلحين عبدالوهاب أيضًا، والتى كانت قد أحدثت دويًّا ونجاحًا شعبيًّا غير مسبوق منذ انطلاقها ١٩٦٤.

قال عبدالحليم ساخرًا: ( مش عارف ده تكريم أن أغنى بعد أم كلثوم وعبدالوهاب ولا ده مقلب!)، طبعًا إضافة اسم عبدالوهاب جاءت لتخفيف وطأة هجومه على أم كلثوم، وحاول الاعتذار عن طريق المشير عبدالحكيم عامر، وهو الأقرب إلى عبدالحليم، إلا أن ميزان القوى كان لصالح أم كلثوم، وطلبت مباشرة ألا يشاركها فى أى حفل قادم للثورة، وهكذا كانت تغنى هى فقط يوم ٢٣ يوليو، بينما عبدالحليم يغنى فى ٢٦ يوليو (عيد الاستقلال)، حيث إن الملك فاروق فى ذلك اليوم غادر مصر.

والغريب أنه فى العام التالى فقط أُقيمت الحفلتان، الاولى لأم كلثوم والثانية لحليم، ثم لم تعد تُقام تلك الحفلات حتى رحل عبدالناصر ١٩٧٠.

حاول أكثر من مرة حليم أن يصالح (الست)، ولهما صورة شهيرة وهو يقبل يدها، إلا أن ما فى القلب فى القلب، ولم تنس أبدًا، حتى إنها لإغاظة عبدالحليم شاركت فى الدفع بهانى شاكر، وطلبت من شادية أن يغنى فى حفل لها، وحفزت الملحن خالد الأمير لتقديم أغنية له. غنى هانى لخالد الأمير: (كده برضه يا قمر)، وحققت له ضربة بداية قوية.

أم كلثوم لا تنسى، وعبدالحليم أيضًا لا ينسى، وفى صراع الكبار ينتصر الأقوى، وفى تلك الليلة ٢٣ يوليو ١٩٦٥، كانت أم كلثوم هى صاحبة السطوة وصاحبة (العصمة)!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أم كلثوم» و«عبدالحليم حافظ» قبلات وصفعات «أم كلثوم» و«عبدالحليم حافظ» قبلات وصفعات



GMT 12:13 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

جديد المنطقة... طي صفحة إضعاف السنّة في سورية ولبنان

GMT 12:11 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر

GMT 12:09 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

دعوكم من التشويش

GMT 12:06 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

سوريّا ولبنان: طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق

GMT 12:04 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الترمبية انطلقت وستظلُّ زمناً... فتصالحوا

GMT 12:02 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الثنائي الشيعي في لبنان... ما له وما عليه!

GMT 11:58 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

المشهد في المنطقة

GMT 11:56 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب أحَق بأن تعود

هيفاء وهبي تخطف الأنظار بحقائب صغيرة وتتصدّر أحدث صيحات الموضة

القاهرة - المغرب اليوم
المغرب اليوم - البرهان يؤكد المضي في المعركة بعد فك حصار القيادة العامة

GMT 11:38 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

منصة "يوتيوب" تطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة
المغرب اليوم - منصة

GMT 11:42 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نيللي كريم تمثل جسرًا بين الأجيال في الفن المصري
المغرب اليوم - نيللي كريم تمثل جسرًا بين الأجيال في الفن المصري

GMT 20:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية
المغرب اليوم - نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 15:55 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير "أياكس أمستردام" الهولندي تهاجم المغربي حكيم زياش

GMT 13:31 2013 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

قم بتصميم منزل له ديكورات هندية ساحرة

GMT 16:09 2012 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

"فيسبوك" تُحدِّث تطبيقها على "ويندوز فون"

GMT 01:50 2016 الخميس ,28 تموز / يوليو

باللسان أنت إنسان

GMT 06:57 2016 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

مراكش والزحف المتوحش / الجزء الثاني

GMT 05:29 2017 السبت ,20 أيار / مايو

ماغابت غا تادلة

GMT 23:38 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد السفرجل للصحة

GMT 21:47 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

جوزيه مورينيو يعلق على مواجهة سانت إتيان الفرنسي

GMT 11:38 2015 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

هيلاري كلينتون توبخ موظفة سابقة في الخارجية الأميركية

GMT 01:31 2017 الثلاثاء ,16 أيار / مايو

المنتج محمد محمود عبد العزيز ضيف شرف "طاقة نور"

GMT 11:25 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

أطباء مغاربة يُدشنون صفحة ينشرون فيها "فضائح" قطاع الصحة

GMT 04:13 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

إيمان صلاح تؤكد انتشار سياحة ركوب الدلافين

GMT 23:05 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

سما المصري تؤكد حضورها مهرجان القاهرة السينمائي دون دعوة

GMT 12:50 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مواصفات وأسعار هاتف سوني Xperia™ M2 Dual‎ في المغرب

GMT 03:26 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

لاعب الوداد أشرف بنشرقي على رادار سبورتينغ لشبونة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib