من يؤمن بالسلام عليه أن يطبقه

من يؤمن بالسلام عليه أن يطبقه

المغرب اليوم -

من يؤمن بالسلام عليه أن يطبقه

سليمان جودة
بقلم : سليمان جودة

من زمان لم نسمع اسم هذه الحركة السياسية، ولا بد من أن الذين سمعوا بها مؤخراً، أو طالعوا اسمها في الأخبار المنشورة، قد تأملوا الاسم، ولسان حالهم يقول: «والله زمان!».

الحركة التي أتكلم عنها هي «حركة السلام الآن» الإسرائيلية، وقد جاء عليها وقت من قبل كانت فيه حديث الناس المتابعين لما يجري في الدولة العبرية، وكان هؤلاء الناس يراهنون عليها بكل قوة، وكانوا يدعونها إلى أن تكون صاحبة دور في إسرائيل، ثم إلى أن تكون صاحبة مهمة أوسع من الدور في المنطقة كلها.

كان ذلك في الفترة التالية لتوقيع معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب، مارس (آذار) 1979، وكانت هذه الحركة نشطة في تلك الأيام بما يلفت الانتباه، وكانت تتحرك وتروح وتجيء في همة ظاهرة، وكانت تقول إنها قادرة على جر المجتمع الإسرائيلي إلى عملية السلام، وكان الأمل فيها مضاعفاً في ذلك الوقت، وكان لدينا إحساس بأنها تكتسب أرضاً جديدة في كل يوم، وتجذب إليها مزيداً من الأنصار في كل صباح، وكانت أمامنا مؤشرات تدعم هذا الإحساس وتعززه على نحو ما.

كان الأمل فيها مضاعفاً؛ لأننا كنا نراهن على أن تفي بوعودها السياسية، وأن تشد مجتمعها الإسرائيلي نحو الإيمان بجدوى السلام وفائدته، ثم كان الأمل أن تنتقل قناعة المجتمع الإسرائيلي بالسلام وبجدواه إلى الحكومات التي تتوالى على الحكم في تل أبيب.

ولسبب غير مفهوم اختفت الحركة لسنين، أو توارت وانحسرت أخبارها، ثم عادت في 18 من هذا الشهر لتظهر بعد غياب. عادت تقول إن حكومة بنيامين نتنياهو اعتمدت 190 مليون دولار لتمويل عمليات ضم مزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.

أذاعت الحركة هذا الكلام في بيان صادر عنها، ومن نبرة الكلام ولهجته سوف تشعر بأنها ترفض ما تتوجه إليه حكومة نتنياهو من تمويل ومن ضم، ولكن السؤال هو عما إذا كان الرفض كافياً من جانبها، أم أن عليها أن تذهب لما هو أبعد من الرفض، ومعه كل مفردات الشجب والاستنكار والإدانة التي لم تفلح في تغيير شيء على الأرض؟

وربما يكون علينا أن نتطلع إلى اسمها بشيء من التأمل؛ لأنها حين نشأت لم تشأ أن تسمي نفسها حركة السلام وكفى، ولو فعلت لكان الاسم طبيعياً، وما كان في حاجة إلى زيادة، ولكنها قصدت أن يكون السلام الذي تدعو إليه «الآن» لا الغد، ولا بعد الغد.

وكان المعنى أن أعضاءها كانوا يؤمنون بأن السلام -كعملية- لا يحتمل التأجيل ولا الانتظار، وأنه واجب في اللحظة وفي التو، وأن تأخره أو تأخيره ليس في صالح الدولة العبرية، ولا بالطبع في صالح المنطقة من حولها.

ولكن المفارقة أن الانتخابات التي جرت في إسرائيل خريف السنة الماضية، جاءت برئيس حكومة اسمه بنيامين نتنياهو، وهو منذ جاء لا همّ له إلا الحديث عن عدم إيمانه؛ ليس فقط بالسلام مع الفلسطينيين، ومع المنطقة من ورائهم بالتالي، ولكنه يتحدث من دون حرج عن أنه لا دولة فلسطينية، وعن أنه لا بد من اجتثاث فكرة هذه الدولة أصلاً!

ولو كان يردد هذا الكلام بمفرده وفي حدوده هو، لقلنا إن ما يردده رأي شخص لا سياسة حكومة في مقاعدها، وإن ما يقوله سرعان ما سوف يختفي برحيله عن الحكومة، ولكن المشكلة أن وزراءه يرددون الكلام نفسه وبنبرة أشد، وبالذات وزير ماليته وكذلك وزير الأمن!

وهذا التوجه لدى نتنياهو لم يكن سراً وقت إجراء الانتخابات، ولكنه كان معلناً على لسانه في كل مناسبة، وكان في إمكان الناخب أن يختار بينه وبين مرشحين آخرين لو أراد، ولو حدث هذا من جانب الناخب لكان هؤلاء المرشحون الآخرون الأقل تطرفاً منه قد شكلوا الحكومة.

وإذا كانت الانتخابات قد جاءت به رئيساً للحكومة، فلا معنى لذلك سوى أن مزاجه المتطرف هو من مزاج الناخب ذاته، وأن «حركة السلام الآن» قد انزوت في مجتمعها، فلم تعد قادرة على أن تؤثر في خيار الناخب، ولا صارت تستطيع تعديل مزاج الناخب أو تغييره.

ولكن إطلالتها على مجرى الأحداث من جديد، تمنح الناس في منطقتنا بعض الأمل، فربما يكون حظها هذه المرة مع الناخب الإسرائيلي أفضل منه في مرات سابقة، وربما تعود وفي نيتها أن تنقذ إسرائيل من نفسها، قبل أن تنقذ الفلسطينيين من الإسرائيليين.

كان السادات يحرص في مرحلة ما بعد مبادرته للسلام، على أن يخاطب الشارع الإسرائيلي ويتوجه إليه، وكان يقول إن تغيير سياسات الحكومة في تل أبيب يبدأ من الشارع الذي إذا آمن بشيء فرضه على حكومته، وجعلها تحول قناعاته كناخب إلى سياسات حكومية. وهذا ما سوف يكون على محبي السلام في المنطقة أن يفعلوه وأن يبادروا إليه؛ لأن عودة «السلام الآن» إلى الواجهة ربما تكون هي الفرصة السانحة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يؤمن بالسلام عليه أن يطبقه من يؤمن بالسلام عليه أن يطبقه



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 12:24 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة

GMT 15:04 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي "شمس وقمر"
المغرب اليوم - شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib