عن المعضلة النفطية والتناقضات الأميركية

عن المعضلة النفطية والتناقضات الأميركية

المغرب اليوم -

عن المعضلة النفطية والتناقضات الأميركية

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

على حين غرة، اكتشفت الولايات المتحدة أن خطر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ومرشد الثورة الإيرانية على خامنئي، أقل بكثير من منسوب المخاطر التي تسبب فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحال، وما يمكن أن يجره على البشرية في الاستقبال من وبال.
في رائعته الأدبية «أولاد حارتنا»، كان نجيب محفوظ يختتم كل فصل بمقولة باقية، «آفة حارتنا النسيان»، وغالب الظن أنه يمكننا القطع بأن «البراغماتية»، هي آفة أميركا، التي لا تزال تعرج بغير هدى ما بين المثالية والواقعية، كما تفترق بها الطرق عند الجيفرسونية والويلسنية، وبين البيوريتانية والجاكسونية.
والشاهد أنه ليس ها هنا مقام التفصيل والتنظير الأخلاقي للبناء التكتوني الأميركي، لا سيما أن سرعة الأحداث تدفع إدارة الرئيس بايدن للهاث وراء محاولة سد فوهات الأزمات التي تواجهها من جراء الحرب في لأوكرانيا.
أفرزت الأزمة الأخيرة ندرة في الخيارات المتاحة أمام القطب الواحد المنفرد بمقدرات العالم، وقد شاهدت البشرية الرئيس بايدن، وهو يستمطر مراحم السماء للشعب الأوكراني البائس، ومن غير قابلية لتحرك أبعد.
بدت واشنطن أمام خيار واحد متمثل في إشهار سلاح العقوبات ضد روسيا، التي بلغت خلال أسبوعين حداً غير مسبوق في تاريخ المواجهات الأميركية ضد خصومها.
تبدو واشنطن ماضية قدماً، والعهدة هنا على الراوي، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في طريق أكثر وعورة، يتمثل في فرض حظر شامل على النفط والغاز الروسيين، رداً على العمليات العسكرية المستمرة في أوكرانيا.
هل سيكون الأمر خياراً متاحاً بالفعل، وهل ستوافق أوروبا على الانصياع للرغبة الأميركية؟
بعيداً عن ما هو مؤكد من أن فطام القارة الأوروبية عن النفط والغاز الروسيين أمر يحتاج إلى عدة سنوات لإيجاد بدائل حقيقية، فإن موسكو تمثل 17 في المائة من إمدادات الغاز العالمية، و12 في المائة من سوق النفط العالمية، وكلاهما يعاني من تداعيات الصراع إلى جانب الزيادة في الطلب العالمي الناتجة عن التعافي من جائحة «كوفيد - 19».
تكتسي إدارة بايدن، كما كل الإدارات الأميركية، بغطاء ثقيل من النفعية الذرائعية، ما يجعلها تنسى أو تتناسى عداوات الأمس، ولو إلى حين، بخاصة إذا اختصمت سلباً من مصالح واشنطن وقطبيتها المنفردة بأحوال العالم.
لطالما ناصبت واشنطن كاراكاس العداء، سواء كان ذلك في زمن هوغو تشافيز، أو في عهد خليفته مادورو، الذي رفضت الاعتراف طويلاً بشرعيته، فيما ساندت نداً له من رجالات المعارضة.
لكن الحرب وأزمة نقص النفط تفرضان تفكيراً مغايراً، ولهذا سارع مستشارو الرئيس جو بايدن، إلى فنزويلا، لمناقشة تخفيف محتمل للعقوبات على الدولة النفطية الكبرى في أميركا اللاتينية، ورغبة في الحصول على دعم فنزويلي لصادرات النفط حال تم حصار روسيا بالمطلق.
في المشهد الفنزويلي تبدو روسيا شريكاً أساسياً في استخراج النفط وتطوير موارد الطاقة، وبالتعاون تحديداً مع مؤسسة «روس زاروبيج نفط الروسية».
غير أن هناك أمراً آخر غير واضح المعالم يقلق واشنطن، فالعلاقات الروسية الفنزويلية، يمكنها أن تضحى شوكة في خاصرة واشنطن عسكرياً، والسؤال: «ماذا لو حاولت موسكو السعي في طريق إقامة مربع نفوذ أو تحالف له ملمح وملمس مشابه لما كان الناتو يرغب في أن تلعبه أوكرانيا بالجوار من روسيا، أي وبوضوح تام، هل يمكن أن يصحو العم سام ذات يوم ليجد قواعد عسكرية روسية بصواريخ باليستية نووية بعيدة المدى في الخلفية الجغرافية التاريخية للولايات المتحدة الأميركية؟».
على الجانب المقابل، تبدو تأثيرات الأزمة الروسية - الأوكرانية، وبنوع خاص على صعيد قطاع الطاقة، فرصة ذهبية لطهران لفرض المزيد من إملاءاتها على طاولة المفاوضات في فيينا، ما يمكن أن يمهد الطريق لرفع العقوبات عن نفط طهران وبمباركة أميركية، ولو غير مباشرة بحلول الربع الثالث من العام الحالي.
هل التودد لإيران أميركياً ومن وراء الكواليس وعبر وسطاء لا يغيبون عن الأعين سوف يخدم المصالح الطاقوية الأميركية أول الأمر؟
بالقطع لا، هذا لن يحدث، ذلك أنه ومهما صدرت إيران من النفط، فإن كمياتها ستكون ضئيلة جداً، بحيث لا تكفي لإحداث تأثير يذكر أمام ما تضخه روسيا في أنابيب العالم كافة، ونصيب أميركا منه 3 في المائة من إجمالي وارداتها.
التنكر للمبادئ والقيم، ومدارة وموارة العداءات الأميركية لفنزويلا وإيران، طريق إدارة بايدن لتجنب ارتفاع جنوني في أسعار النفط في داخل أميركا، ولتجنب الصعود الصاروخي لأرقام التضخم المحلي الأميركي من ناحية أخرى.
تبدو الميكافيلية واضحة في سلوك إدارة بايدن، إنه يود أن يكون محبوباً في الداخل، عن أن يكون مرهوباً في الخارج، والرجل على عتبات انتخابات التجديد النصفي للكونغرس وحظوظ الديمقراطيين متدنية، ولهذا فإنه يسارع الريح لتخفيض أسعار المحروقات التي وصلت مؤخراً إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2008.
السؤال قبل الانصراف: «من يثق بواشنطن المصابة بتناقضات جوهرية والمتوارية خلف أقنعة المثالية»؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن المعضلة النفطية والتناقضات الأميركية عن المعضلة النفطية والتناقضات الأميركية



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib