واشنطن ومطرقة روسيا وسندان الصين

واشنطن ومطرقة روسيا وسندان الصين

المغرب اليوم -

واشنطن ومطرقة روسيا وسندان الصين

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

كثيراً ما يتم استخدام تعبير «بين المطرقة والسندان»، المطرقة معروفة والسندان هو كتلة حديد صلبة ترتكز فوق قاعدة يطرق الحداد عليها الحديد، والعبارة تعني أن يقع المرء بين أمرين كلاهما شر.
كانت فكرة هذه السطور في الأصل تحمل عنواناً مغايراً «بكين بين مطرقة واشنطن وسندان موسكو»، انطلاقاً من أن الصين تجد نفسها مؤخراً بين نارين؛ الجار الأقرب والحليف الأكبر المتمثل في روسيا، وبين مصالح تجارية ومالية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي.
غير أن «نظرة عليا»، وشيئاً من التحقيق والتدقيق، توضح لنا أن واشنطن هي التي باتت بين مطرقة روسيا العسكرية وسندان الصين الاقتصادي، وبينهما تخفت قطبية ملأت الدنيا وشغلت الناس منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى اجتياح القيصر لأوكرانيا، ومن غير مقدرة على صده أو رده، إلا من حزمة عقوبات اقتصادية، على ضررها واهية، ولن تغيِّر من مصير روسيا الكثير... ما الذي يعنيه ما تقدم؟
نهار الاثنين الماضي صرّح مسؤول أميركي كبير لشبكة «سي إن إن» بأن روسيا طلبت من الصين مساعدة عسكرية في أوكرانيا، بما في ذلك الطائرات من دون طيار.
هذا الخبر الذي أنكره المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، ليو بينغيو، الذي أعرب عن قلقه مما يجري في أوكرانيا، يعد تطوراً مهماً، بل هو مثير ومزعج للولايات المتحدة، ذلك لأنه يعني إمكانية تغيير موازين المعركة على الأرض، ويقلل من سيطرة القوات الأوكرانية على المدن.
هل يمكن للصين أن تمضي في «حلف الأضداد» الذي يجمعها مع روسيا، عبر دعم العمليات العسكرية في أوكرانيا؟
السؤال صعب، لكنه مطروح على طاولة التحليل، فالتحالف الذي أُعلن عنه بين موسكو وبكين عشية الأولمبياد الأخير يفتح الباب واسعاً لمواجهة ومجابهة أميركا.
الإعلان الروسي الصيني المشار إليه، تضمن بالتصريح لا التلميح موقفاً واضحاً من موسكو وبكين «جنباً إلى جنب في رفض توسع الناتو في أوروبا»، وكذا معارضة بناء التحالفات الأميركية الأوروبية في آسيا، وبالتحديد في منطقة المحيط الهادئ، تحالفات من نوعية «أوكوس» و«كواد»، بل أبعد من ذلك فإن قاسماً أعظم مشتركاً بين الصين وروسيا يتمثل في رؤيتهما لطرح الدمقرطة الغربية كنوع من الأوراق الزائفة، بهدف خلق طوابير خامسة، ونخب ليبرالية وأوليغاركية، هدفها إفشال المشروع القومي الروسي والصيني من الداخل.
وفي حقيقة الأمر، يبدو التعاون الروسي – الصيني، ضرباً من ضروب البراغماتية المثيرة للتأمل في الوقت الراهن، وعلى صعيدين عسكري واقتصادي.
على الجانب الأول ما من مصلحة صينية لأن تتعرض روسيا لانتكاسة عسكرية من الناتو عامة والولايات المتحدة خاصة، فالصينيون يعلمون تمام العلم أن معركة موسكو مع كييف لها ضمن أهداف أميركية عدة، هدف محدد يتمثل في تحييد روسيا، وبالتأكيد إضعافها، كي تضحى الصين وحدها في ميدان المعركة.
من ناحية أخرى فإن الصين لا تغادرها فكرة العودة والسيطرة على جزيرة تايوان بالقوة في نهاية الأمر، وهي تخشى أن تكون انتصارات القوات الأوكرانية ضد القوات الروسية نموذجاً ومثالاً يُحتذى في المدى الزمني المنظور.
غير أنه قد لا يستقيم الأمر للصين بخروج روسيا بوتين مكللةً بالفخار والانتصار، دفعةً واحدة، فهي وإن جمعهما توجه ذرائعي نفعي، تقتضيه ظروف الحال، إلا أن الطبقات التاريخية للعلاقة بين البلدين لا توفر صراعاً أو مواجهة بفعل ديالكتيك القوة المتصاعدة ومراكز القطبية التي باتت كلعبة الكراسي الموسيقية في عالمنا المعاصر، ولهذا تبدو فكرة المساعدة الصينية العسكرية لروسيا مشكوكاً فيها، وإن كانت غير مستبعدة.
على أن الجانب الاقتصادي في المشهد يلعب دوراً ولا شك في القرارات المصيرية، فعلى سبيل المثال يبلغ حجم التجارة البينية بين الصين والاتحاد الأوروبي نحو 828 مليار دولار، منها 518 ملياراً عبارة عن صادرات صينية، مقابل 310 مليارات واردات، أما التجارة مع أميركا فتصل إلى 756 مليار دولار، منها 576 ملياراً صادرات صينية مقابل 180 ملياراً واردات أميركية، بينما قيمة التبادل التجاري مع روسيا لا يتجاوز 146 مليار دولار.
تبدو الصين هنا كمن يكافح للتوفيق بين شراكتها الاستراتيجية بظلالها العسكرية مع روسيا، وبين مصالحها الاقتصادية مع العالم الليبرالي الحر، حتى ولو كرهته علناً وعشقته سراً. وما بين موسكو وبكين، تستشعر واشنطن خطراً حقيقياً، بين روسيا القوة النووية التي لم تجرؤ واشنطن على الاقتراب منها، وبين الصين المرشحة خلال عقد أو عقدين، 2035 – 2040، لأن تتجاوز أميركا اقتصادياً، وبعد أن تكون قد فاقت روسيا عسكرياً.
يذهب أنتوني كوردسمان، محلل الأمن القومي الأميركي العتيد، إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها الاستراتيجيين يواجهون الآن قوتين عظميين، وليست واحدة فقط، وهي قوى تمثل تحدياً عالمياً وإقليمياً على السواء.
أعطت الحرب الأوكرانية للصين فرصة ذهبية للتمدد في فضاءات المحيط الهادئ، لا سيما مع انشغال واشنطن في كبح جماح القياصرة الجدد، وباتت بكين متفرغة لبناء جدار نووي، يفوق ما تمتلكه واشنطن وموسكو مجتمعتين، عطفاً على تعزيز جهودها العالمية في مجالي التجارة والاستثمار وإكمال مبادراتها الخاصة بالحزام والطريق. أميركا تواجه ما هو أكثر من حرب أوكرانيا... إنها استحقاقات عالم جديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن ومطرقة روسيا وسندان الصين واشنطن ومطرقة روسيا وسندان الصين



GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:21 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم
المغرب اليوم - إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم

GMT 19:04 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
المغرب اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 06:49 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة
المغرب اليوم - المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة

GMT 05:47 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:32 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية في غرب إفريقيا تجمع بين جمال الطبيعة والثقافة

GMT 14:04 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:41 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:28 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 06:41 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 17:35 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس الفرنسي وزوجته يزُوران ضريح الملك محمد الخامس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib