الدبلوماسية الصينية وتوقيت الشرق الأوسط

الدبلوماسية الصينية وتوقيت الشرق الأوسط

المغرب اليوم -

الدبلوماسية الصينية وتوقيت الشرق الأوسط

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

وسط صخب الأحداث الدولية، وتدافع الصراعات الأممية، لم يأخذ هذا الحدث الكبير والمهم، ما يتوجب من إلقاء الضوء؛ فقد كانت زيارة أربعة وزراء خارجية من دول مجلس التعاون الخليجي إلى الصين، وبدعوة من وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أمراً مهماً يعكس مدى اهتمام الدبلوماسية الصينية بمسارات أحداث الشرق الأوسط، ومساقات إشكالياته في توقيت حساس ومصيري.
الزيارة مثيرة ونادرة، لا سيما أن الصين قد توقفت منذ عامين تقريباً، وبسبب جائحة «كوفيد – 19» عن استقبال الوفود الرسمية الأجنبية.
هل من دلالة أولية لهذه الزيارة؟ قطعاً أنها تعكس استقلالية القرار السياسي الخليجي الدولي وسيادته، وقدرة دول مجلس التعاون على رسم صورتها كما تريد، وضبط مسافاتها بين مختلف عواصم العالم، ومن غير أن تضحى ورقة مساومة في اللعبة الكونية، لا سيما بين الأقطاب القائمة والقادمة.
تبدو الصين أول الأمر أكبر شريك تجاري لدول الخليج العربي؛ ففي عام 2021 تجاوز حجم التجارة البينية بينهما حاجز 300 مليار دولار، بينها 200 مليار من المبادلات التجارية.
ليس سراً القول إن دول الخليج قد أبدت اهتماماً كبيراً بمبادرة «الحزام والطريق»، ومنصات التمويل الجديدة مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وتسعى لتنسيق خططها التنموية مع مبادرة «الحزام والطريق»، لجذب الاستثمارات الصينية وتسهيل عملية التحول الاقتصادي.
تأتي الزيارة في وقت حساس بالنسبة للصين، لا سيما في ظل الاضطرابات التي تجري في القارة الآسيوية، ومنها القلاقل العالية الوتيرة الأخيرة في كازاخستان العضو في تحالف «أوبك»؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط.
تبدو الصين متطلعة في الوقت الحاضر إلى دول الخليج العربي حيث مصدر إمدادها الأول بالنفط، لا سيما بعدما عادت عجلة الاقتصاد الدولي للدوران، وبدأت ملامح الانتعاش الاقتصادي في الانبلاج عالمياً وصينياً بنوع خاص.
حكماً، تعرض نمو الاقتصاد الصيني إلى كبوة واضحة خلال العامين الماضيين، زادت منها إشكالية نقص الموارد الكهربائية، والعودة من جديد إلى الفحم؛ الأمر الذي يجافي وينافي التزامات الصين الدولية بتخفيض تلوث البيئة، وعليه يبقى نفط الخليج هو المنقذ في الحال والاستقبال، مع الأخذ في عين الاعتبار المخاوف التي تنتاب قطاع الطاقة الصيني من أي قلاقل تؤثر على تدفق النفط والغاز في القريب إلى البلاد، وهي التي استعانت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي باحتياطاتها النفطية بهدف خفض الأسعار.
لا تتوقف العلاقات الخليجية - الصينية عند حدود التعاون في مجال الطاقة، فهناك خطوات وثيقة أخرى بين الجانبين، منها وربما في مقدمها، الحوار حول منطقة التجارة الحرة، ومن ثم مواءمة استراتيجيات التنمية بين الجانبين، والتي بالقطع ستخلق آفاقاً واسعة لتنمية العلاقات الثنائية، حيث يوجد تكامل اقتصادي كبير بين الجانبين.
عطفاً على ذلك، هناك تحضيرات مهمة تجري لعقد القمة الصينية - العربية الأولى في المملكة العربية السعودية هذا العام، والتي تكتسب أهمية خاصة في ظل التطورات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة والتغيرات المتسارعة سياسياً واقتصادياً التي ستجري بها الأقدار.
لا يمكن القول إن الزيارة الأخيرة من قِبل أربعة وزراء خارجية من دول مجلس التعاون، زيارة مفاجئة، من غير جذور أو أساسات؛ إذ إنها تأتي نتيجة سنوات من الإدارة الجيدة والجدية للعلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط، وفي ظل قبول متبادل لمفهوم صيني يقوم على تعزيز السلام من خلال التنمية على نطاق واسع، وفي كل الأحوال تفيد الزيارة بأن العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط سوف ترقى إلى مستوى متميز في العام الجديد.
يتساءل البعض، كيف يمكن للصين أن تلعب دوراً تقدمياً في منطقة الخليج العربي، دوراً يتجاوز فوائض رأس المال، والاستثمار، وجريان البضائع في الوديان؟
الشاهد، أن الصين أضحت قولاً وفعلاً رقم جيوبوليتيكا عالمياً، وما من عاقل ينكر ذلك، وعليه فإنه من الحصافة التعامل معها، سواء فيما يجمع، أو يفرق.
على سبيل المثال لا الحصر، تبدو العلاقات الصينية - الإيرانية أمراً مقلقاً للبعض، لا سيما أن الحديث العام الماضي عن اتفاقية تصل إلى 25 عاماً من التعاون بين الجانبين، حتماً ستكون حاسمة في ميزان التنافس خليجياً، فإيران وحسب ما هو رائج حتى الساعة تنتوي تقديم النفط للصين بتخفيض يصل إلى ثلاثين في المائة من الثمن الأصلي، وفي المقابل تحصل بلا شك على أولوية وأفضلية في الحصول على الخبرات العسكرية والأسلحة الحديثة.
على الصين في هذا الإطار، وفي ظل رغبتها المتنامية في توثيق علاقتها مع دول الخليج أن تدرك الخطر الأكبر الذي تمثله إيران لأمن منطقة الخليج واستقرارها، وقد جاء تقرير الأمم المتحدة الأخير ليكشف عن تهريب أسلحة منها ما هو صيني للميليشيات الحوثية الإرهابية، والكثير منها تم استخدامه ضد أهداف خليجية بشكل مباشر.
الزيارة إلى الصين تطرح وبعمق رؤية استشرافية خليجية تقدمية تتعلق باستراتيجية تنويع الحلفاء؛ لتجنب مخاطر الاعتماد على دولة قطبية واحدة بعينها.
أدركت دول الخليج منذ نحو عقدين، أن استراتيجية «النفط في مقابل الأمن»، قصيرة النظر، وعليه يضحى الرهان على الذات، وليس على الآخرين.
ناهيك عن ذلك، فإنه من غير تهوين أو تهويل تعدّ الزيارة رسالة واضحة للذين يعمدون إلى جعل منطقة الخليج ساحة للحرب الباردة مرة أخرى، أو أرضية لحروب بالوكالة.
من الصين إلى الخليج العربي والعكس، تعاون أقرب وأوثق في المستقبل عبر براغماتية مستنيرة لا أحادية متسلطة ومتصلبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدبلوماسية الصينية وتوقيت الشرق الأوسط الدبلوماسية الصينية وتوقيت الشرق الأوسط



GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:21 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم
المغرب اليوم - إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم

GMT 19:04 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
المغرب اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 06:49 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة
المغرب اليوم - المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة

GMT 05:47 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:32 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية في غرب إفريقيا تجمع بين جمال الطبيعة والثقافة

GMT 14:04 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:41 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:28 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 06:41 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 17:35 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس الفرنسي وزوجته يزُوران ضريح الملك محمد الخامس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib