تقرير «أوكسفام» ومآلات «الفقراء الجدد»

تقرير «أوكسفام» ومآلات «الفقراء الجدد»

المغرب اليوم -

تقرير «أوكسفام» ومآلات «الفقراء الجدد»

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

إلى أين يمضي الاقتصاد العالمي، وهل بات قدراً مقدوراً في زمن منظور أن يدفع، أقنان الأرض، كما أطلق أدباء روسيا العظام من أمثال تولستوي وديستوفسكي، على الفقراء العاملين المعذبين في الأرض، ثمن الرأسمالية المتوحشة والليبرالية الجديدة التي أفقرت الفقراء أكثر وأكثر؟ الحقيقة المؤكدة هي أنه على الرغم من الخطابات الحماسية التي يطلقها البنك الدولي والثماني الكبار، فإن المستويات العالية من الفقراء، تحافظ على الثروة والسلطة في الغرب.
ومن ناحية أخرى يمكن القطع بأنه لا يوجد دليل كافٍ على أن الرأسمالية والنظام القائم على التصنيع هما حقاً علاج الفقر العالمي، والرأسمالية كنظام اقتصادي واجتماعي غير قادرة على تفسير استمرارية الفقر العالمي، إذ فشلت في معالجة انعدام المساواة في جنوب العالم بنوع خاص.
لماذا الحديث الآن عن فقراء العالم وأقنان الأرض؟ مردُّ الأمر أنه وقبل الاجتماعات العاجلة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، الثلاثاء المقبل، خرجت علينا منظمة «أوكسفام» الخيرية البريطانية بتقرير مؤلم ومؤسف يفيد بأن ربع مليار نسمة، سوف يدخلون دائرة الفقر المدقع هذا العام، ما يجعل الصورة الخاصة بسكان العالم الأقل حظاً مأساوية.
تقول «أوكسفام» إن جائحة «كوفيد - 19»، وارتفاع أسعار المواد الغذائية جراء الحرب الأوكرانية، سيؤديان إلى انضمام 263 مليون شخص إضافي إلى دائرة الفقر المدقع، وهو رقم يوازي سكان المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسبانيا مجتمعين.
هل يدرك العالم الأسباب الحقيقية للفقر الذي يعم اليوم، وهل الجائحة والحرب هما فقط السبب الرئيسي لتكاثر أعداد المجروحين في كرامتهم الإنسانية؟ الشاهد أن النقاش عن الفقر وتوزيع الدخل، يكاد يسيطر عليه تماماً اقتصاديون ليبراليون جدد، يستخدمون أساليب محدودة جداً، وغالباً ما تكون كمية فقط في دراسة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة الخاصة بعدم المساواة، ما يجعل من نقاشاتهم غير دقيقة أحياناً، وغير أمينة وموضوعية دائماً.
ولعل خير دليل على ما نقول به هي الأرقام الصادرة عن البنك الدولي، تلك التي توقعت أن تدفع الجائحة وعدم المساواة 1980 مليون شخص إضافي إلى هوة الفقر المدقع في 2022، فإذا بها ومع ارتفاع أسعار السلع الغذائية تفتح الباب واسعاً، ومن أسفٍ، لدخول 65 مليون شخص آخر في الشهور المتبقية من السنة الحالية.
أرقام المؤسسات الاقتصادية الدولية مؤلمة قولاً وفعلاً، ذلك أنه إلى جانب الفقراء الجدد، هناك بالفعل ملايين من البشر يعانون من مستويات حادة من الجوع في شرق وغرب أفريقيا واليمن وسوريا، وقد يصل عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء إلى 827 مليوناً هذا العام.
تبدو أكبر إهانة للإنسانية في القرن الحادي والعشرين، متمثلة في الجوع وسوء التغذية، رغم الاكتشافات والتجارب العلمية الحديثة التي تجعل الأرض تجود بغنى وفير من الثمار، ما يجعلنا نبحث عن الأسباب الحقيقية وراء الفقر، وهل هناك من يسعى للحفاظ على منسوبه عالياً ليظل هو أو هم سادة العالم وسدنته؟ يمكن أن يكون ذلك كذلك، لا سيما أن هناك إجماعاً على وجود دستور عالمي غير مكتوب للشركات الكبرى، غير دساتير العالم المعروفة.
من السمات الأساسية للقرن الحادي والعشرين ما أطلق عليه أحد النشطاء المناهضين للعولمة في الولايات المتحدة «لحظة تأسيسية»، وكان يعني بهذا أن تلك الشركات العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات، كانت تكتب «دستوراً عالمياً»، يعطي الأولوية لجني الأرباح أكثر من الحق في العمل والتنمية المستدامة، والميدان الذي تمت فيه عملية كتابة هذا الدستور، كان ساحة المؤسسات المالية الدولية ومنظمة التجارة العالمية.
هل من مثال حي على الأنانية القاتلة لمثل هذا الدستور؟ ربما يتحتم على المرء مراجعة سلوك الشركات العالمية التي تعمل في مجالات النفط في أفريقيا، وسواء كانت أميركية – أوروبية، أو صينية – روسية، فجميعها تعمل على إملاء استراتيجيات عالمية، بدلاً من تعزيز التنمية المحلية، ما يجعل القطع بأنها رأسمالية متوحشة سحقت ومحقت الإنسانية، كما فعلت الشيوعية، أمراً قابلاً للتصديق.
تقرير «أوكسفام» يثير هلعاً حقيقياً، لا سيما أنه يكشف عن مرحلة من الفوضى الاقتصادية العالمية الآتية لا ريب، تبدأ من عند توقف عدد من الدول عن سداد ديونها، كما الحال في سيرلانكا، الأمر الذي سيضطر الحكومات إلى خفض الإنفاق العام، بهدف توفير ما يُدفع للدائنين واستيراد الغذاء والوقود.
ما يجري على صعيد فقراء العالم لم يعد تجدي معه فكرة المساعدات الاقتصادية، ذلك أن الحاجة لإجراءات استثنائية باتت أمراً ملحاً.
لا تعدم البشرية، إذا كان لديها بقية من نرجسية مستنيرة، الحلول، وفي المقدمة منها إلغاء ديون الدول منخفضة الدخل لتتمكن من الاستثمار في شبكات الأمان الاجتماعي.
إلغاء الديون، وحسب التقرير الأخير، سيوفّر في العام الحالي 30 مليار دولار، يمكن أن تستفيد منها 33 دولة تعاني بالفعل أو معرّضة لخطر الديون.
هناك حلول شبه جذرية، لكن غالباً لن يقبلها «عتاة الرأسمالية»، مثل ضريبة سنوية على أصحاب الملايين تبدأ من 2%، وتصل إلى 5% على المليارديرات، كافية لتوفير 2.53 تريليون دولار سنوياً، وكفيلة بأن تُحدث توازنات وعدالة في توزيع الثروات، واستنقاذاً للرازحين تحت عبء الظلم الاجتماعي.
على المجتمعين في لقاءات البنك والصندوق الدوليين تذكر أن غياب التضامن الإنساني سيولّد المزيد من الظلم الحقيقي، وهذا ستكون تبعاته وبالاً على أمن وسلام واستقرار العالم، وطريقاً لثورات اجتماعية وفورات طبقية.
البشرية لا تزدهر إلا بشراكة حقيقية من العدالة والمساواة أمس واليوم وإلى الأبد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقرير «أوكسفام» ومآلات «الفقراء الجدد» تقرير «أوكسفام» ومآلات «الفقراء الجدد»



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib