«نيو ستارت» شريك مناسب وخيوط حمراء

«نيو ستارت»... شريك مناسب وخيوط حمراء

المغرب اليوم -

«نيو ستارت» شريك مناسب وخيوط حمراء

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

لماذا تم تأجيل لقاءات ستارت، الخاصة بضبط الأسلحة النووية، بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي أعلن من قبل عن عقدها في مصر بدءاً من 29 نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم وحتى السادس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي؟
الجواب لا يحتاج إلى ملكات تحليلية إبداعية؛ لأنه ببساطة لا توجد أدنى أرضية من الثقة المشتركة لدى الكرملين تجاه البيت الأبيض، بل «علاقات عند أعلى مستوى من السمية والعداء من واشنطن»، والتصريح لماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية.
لدى الروس قناعة مطلقة بأنه في إطار الحرب الشاملة التي تشنها واشنطن على صُعد عدة، فإن كل خطوة أميركية تقريباً تجاه روسيا، تنبع من رغبة في إلحاق الضرر بروسيا حيثما أمكن ذلك.
تم تعليق معاهدة «نيو ستارت» للحد من انتشار الأسلحة النووية في مارس (آذار) 2020؛ وذلك بسبب جائحة «كوفيد»، وهي المعاهدة الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين البلدين، بعد انسحابهما عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة بينهما عام 1987.
بموجب المعاهدة، تلتزم كل من موسكو وواشنطن بنشر ما لا يزيد على 1550 رأساً نووياً استراتيجياً، و700 صاروخ بعيد المدى وقاذفات قنابل.
والمعروف أنه يمكن لكل جانب إجراء نحو 18 عملية تفتيش كل عام لمواقع الأسلحة النووية الاستراتيجية؛ للتأكد من التزام الطرف الآخر بحدود المعاهدة.
يصبح من قبيل التفاؤل المفرط الاعتقاد بأن موسكو التي ترى تربص «الناتو» برأس حربتها الأميركية على أبوابها، ستقبل بالمضي قدماً في إجراءات توطين وتوطيد الثقة من جديد، وهي التي تستشعر الغدر في كل لحظة.
أما واشنطن، فتتهيأ ومعها تخومها الأوروبية، لأبعد الاحتمالات، والتي قد يجد القيصر نفسه عند لحظة بعينها محاصراً، بل وخالي الوفاض إلا من أسلحة القارعة، وليكن بعدها ما يكون من أمر المعبد الشمشوني الكوني.
لا تبدو العلاقات الروسية - الأميركية، مسمومة فحسب، على حد تعبير زاخاروفا، بل تعاني من «انفصال عميق»، والتعليق لنائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الذي أشار إلى أن قرار تأجيل اجتماع لجنة معاهدة «ستارت» تم اتخاذه على المستوى السياسي.
صباح الأربعاء الماضي، كشفت روسيا عن مكنونات صدرها، من خلال ما قاله ريابكوف نفسه، الذي اعتبر أنه لا مانع لديهم من حيث المبدأ بشأن اللقاء... لكن ذلك لا يتم إلا حال توافر شرطين:
الأول: وجود شريك مناسب على الجانب الآخر.
الآخر: عدم تجاوز الخطوط الحمراء الروسية الموصولة بالأمن القومي.
من غير تفكير عميق، أو تدقيق متأنٍ، يمكن للمرء القطع بأن الشرطين لا يتحققان في الحالة الأميركية بشكل عام، وفي هذه الآونة تحديداً، تبدو واشنطن أبعد ما يكون شكلاً وموضوعاً عن ساحة «الاستقرار الاستراتيجي»، كأرضية للحوار.
لسان حال الجانب الروسي في الأيام الأخيرة يلهج نهاراً وليلاً بالوعيد والتهديد تجاه ما لمّح إليه الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، من استعداد حلف «الناتو» لتسليم كييف أنظمة باتريوت، والأمر موصول برغبة أظهرها وزير الدفاع البولندي في وقت سابق من نوفمبر الماضي، حين طلب من ألمانيا تسليم أوكرانيا شحنة صواريخ باتريوت أرض - جو مخصصة في الأصل لوارسو.
والثابت، أنه حين تنتشر في الأفق الأوكراني صواريخ الباتريوت الأميركية، فإن ذلك يعني تغييراً مؤكداً في «ميزان الانتباه العسكري» مع موسكو؛ ما يجعل منها هدفاً مشروعاً للقوات المسلحة الروسية، والعهدة على الراوي، ديمتري ميدفيديف، رئيس مجلس الأمن القومي الروسي.
على أنه ورغم تصريح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، باتريك رايدر، بأن واشنطن تخطط في الوقت الحالي لتزويد كييف بأنظمة الدفاع الجوي، فإن الروس موقنون بأنها قد تكون الخطوة القادمة، لا سيما بعد إعلان البنتاغون عن مساعدات إضافية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، وتشمل الحزمة الجديدة تمويل صواريخ «هوك»، إضافة إلى نظام جوي تكتيكي من طراز «فونيكس» من غير طيار.
لا يوجد إذن الحد الأدنى من الثقة، ولا يتوافر بالضرورة الشريك الموثوق، عطفاً على التخطي الواضح والفاضح لمحددات ومعايير الأمن القومي الاستراتيجي الروسي، ومن هنا ترى روسيا أن الولايات المتحدة تركز فقط على استئناف عمليات تفتيش تحت مظلة «ستارت»، في حين تظل هناك قضايا أخرى تمثل أولوية بالنسبة لروسيا.
لا يغلق الروس فرصة استئناف الحوار الاستراتيجي مع الويات المتحدة، بشرط إدراك الأميركيين أنه من غير الممكن فرض واشنطن تفضيلاتها وأولوياتها.
سيد الكرملين يرى أن الموقف الأميركي انتهازي بالدرجة الأولى، لا سيما بعد أن أدرك جيداً أن ترسانة روسيا النووية، هي درع بلاده وسيفها الأخير في مواجهة المطامع الغربية، التي لم تعد في حاجة إلى أقنعة، فقد سقطت جميعها من خلال دعم الرئيس الأوكراني زيلينسكي.
هل الجانب الأميركي أمام لحظة اختبار مهمة وتتماس مع استراتيجية الأمن القومي الأولى في ولاية الرئيس بايدن؟
مؤكد أن ذلك كذلك، فالأميركيون يضعون الروس على رأس قائمة الأعداء، وإن كانت الصين في تقديرهم هي الأخطر على المدى البعيد.
وعند جماعة السيلوفيكي المحيطة ببوتين، والتي تدعمه، أن الحوار مع الأميركيين ممكن فقط حين يسود مبدأ توازن المصالح، والبحث عن القوائم المشتركة، لا انطلاقاً من الحالة البراغماتية التقليدية الأميركية.
على استحياء يشير، ستولتنبرغ، الأسبوع الماضي، إلى أنه «على المدى الطويل، سيساعد (الناتو) أوكرانيا على الانتقال من معدات الحقبة السوفياتية إلى مستويات وعقيدة وتدريب قوات الناتو الحديثة».
والذين قدّر لهم الاستماع إلى تصريحات ستولتنبرغ الأخيرة في بوخارست، ربما يلتبس عليهم الأمر ويتساءلون، هل الرجل يمثل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أم المتحدث باسم البيت الأبيض، وذلك بعد تصريحه بأنه «لا يمكننا السماح لبوتين بالفوز... لأن ذلك سيظهر للذين وصفهم بالقادة الاستبداديين في جميع أنحاء العالم، أنه يمكنهم الفوز عبر قوتهم العسكرية».
هل ستلفظ «ستارت» أنفاسها على لهيب الأزمة الروسية - الأوكرانية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«نيو ستارت» شريك مناسب وخيوط حمراء «نيو ستارت» شريك مناسب وخيوط حمراء



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib