الرقائق الإلكترونية وليس القيم الديمقراطية

الرقائق الإلكترونية وليس القيم الديمقراطية

المغرب اليوم -

الرقائق الإلكترونية وليس القيم الديمقراطية

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

أعقبت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، علامات استفهام متعددة عن الأسباب التي دعت السيدة التي تعد رقم ثلاثة في تراتبية السلطات الأميركية، للذهاب إلى تايوان، والإصرار على النحو الذي تابعه العالم، وقد اعتبره البعض وقتها طريقاً للدخول في مواجهة عالمية.

حكماً هناك العديد من الأسباب التي بررت بها بيلوسي ومن لف لفها تلك الزيارة، وفي مقدمها إظهار صدق التحالف مع الولايات المتحدة، وكيف أنها تحالفات ذات موثوقية وموضوعية، وأن واشنطن لا تتخلى عن أصدقائها، الأمر الذي ينزع عنها وصفة «أرباب دائمة الخذلان لعبادها».
والشاهد أن هذه الأسباب وغيرها قد تكون صحيحة، وهي كذلك بالفعل، غير أن هناك بعداً آخر لم ينجلِ للعيون إلا الأسبوع الماضي، وبعد حديث الرقائق الإلكترونية الذي ملأ الأجواء الأميركية... ما قصة تلك الشرائح؟
باختصار غير مخل، إنها «مفتاح سمسم»، لكل أشكال التكنولوجيا الحديثة، التي لا يمكنها أن تعمل من دون أشباه الموصلات، تلك الصناعة الدقيقة جداً، التي تحتاج لأجواء خاصة لصناعتها.
وبمزيد من التوضيح العلمي، يمكن القول إنها الألواح التي تحول القوة الكهربائية إلى طاقة تقود العمل من عند أصغر جهاز كومبيوتر، وصولاً إلى مكوك الفضاء الأحدث الذي تقوم وكالة ناسا ببنائه، مع المرور على جميع الصناعات بدءاً من النقل، حيث لا طيران من دون أشباه الموصلات، ولا عسكرة حديثة من غير تلك الرقائق، التي تعد عصب الطائرة الأحدث في سلاح القوات الجوية الأميركية «إف - 35»، ناهيك عن أجهزة الأشعة والعمليات الجراحية.
الأسبوع الماضي، كان مجلس الشيوخ الأميركي يوافق على مشروع قانون يرصد نحو 280 مليار دولار لتعزيز صناعة الرقائق الإلكترونية في الداخل الأميركي، الأمر الذي تسبب في جدل واسع ربما لضخامة التمويل المرصود، في وقت قلاقل اقتصادية داخلية.
القصة برمتها مرتبطة بالأمن القومي الأميركي، فغياب تلك الشرائح يعني أن الصناعات والتقنيات العلمية الأميركية ستصاب بالشلل، وهو ما لا تقوى عليه البلاد في هذه الأوقات الصعبة.
هل كانت جائحة «كوفيد - 19» فقط هي السبب الرئيس في هذه الأزمة؟
في واقع الأمر لا، ذلك أن الرئيس السابق ترمب كان حجر عثرة بدوره في الأزمة، وذلك من خلال حروبه التجارية مع الصين، ففي عام 2018 فرض ضرائب تصل إلى 25 في المائة على بضائع صينية تصل قيمتها إلى 35 مليار دولار، والأمر عينه تكرر عام 2019 مع بضائع صينية تكلفتها 300 مليار دولار، وغالب تلك البضائع كان شحنات رقائق إلكترونية وأشباه موصلات، الأمر الذي دفع كبار الشركات لرفع شعار «بضاعتك ليست لدينا»، في ردودها على أصحاب المصانع.
أضف إلى ذلك أن فرض حظر على تصدير بضائع للصين ساهم بدوره في تقليص إنتاج تلك السلعة في الداخل الأميركي، انطلاقاً من عدم وجود فرص تصدير، إضافة إلى نشوب حريق في اليابان في مارس (آذار) 2021، في أكبر مصنع لإنتاج الشرائح عينها.
إلى هنا يبقى التساؤل مطروحاً: «وما علاقة تايوان بكل تلك الضجة من حول الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات؟».
في واقع الأمر القصة تبدأ من عند آسيا برمتها، لا سيما الصين التي تحوز أراضيها 17 مادة نادرة من المواد الطبيعية الموجودة فيما يعرف بالجدول الدوري لمندليف، وهي المواد المستخدمة في إنتاج تلك الرقائق.

أضف إلى ذلك أن روسيا وأوكرانيا بدورهما تعدان من كبار منتجي تلك الشرائح، ومع الحرب الطاحنة الدائرة هناك، يمكن توقع استمرار الأزمة وعدم وصول إمدادات الشرائح إلى الداخل الأميركي في المدى الزمني القريب، وربما ليس قبل عامين أو ثلاثة أعوام، وهي فترة زمنية طويلة في عمر دولة قائدة ورائدة حتى الساعة.
المفاجأة الكبرى التي تعود بنا إلى سر الاهتمام الأميركي بتايوان، هي أن تلك الجزيرة الصغيرة تقوم بإنتاج نحو 90 في المائة من الإنتاج العالمي من الرقائق العالية التقنية، ما يعني أن لها أهمية كبرى في الصراع الجيوسياسي القائم والقادم بين الولايات المتحدة من ناحية، والصين الشعبية من ناحية ثانية، وأنه حال سيطرة الصين على جزيرة تايوان، فإن واشنطن سوف تحرم حكماً من خطوط الإمداد والتموين إن جاز التعبير، لسلعة حياتية لا يمكن لواشنطن أن تحيا من غيرها.
في تعليقه على الحدث قال الرئيس بايدن، إنه جاء حفاظاً على تفوق أميركا التكنولوجي، وخلق وظائف جديدة في مجال العلوم والتكنولوجيا، والتخلص من المزودين الأجانب، ويقصد بذلك الصين بنوع خاص.

العبرة من السطور السابقة، تتمحور حول أهمية العلم والتكنولوجيا في حياة الأمم والشعوب، وأنه من غير تطور تكنولوجي، لن يتقدم إلى الأمام أحد.
تخطط واشنطن للعودة مرة ثانية إلى القمر عما قريب، وتجهز مركبتها الفضائية «برسفيرنس» للصعود إلى المريخ.
إنه عالم الشرائح الإلكترونية وليس القيم الديمقراطية البراقة والجولات الخادعة حول العالم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرقائق الإلكترونية وليس القيم الديمقراطية الرقائق الإلكترونية وليس القيم الديمقراطية



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib