كايسيد عشرية الحوار والازدهار

كايسيد.. عشرية الحوار والازدهار

المغرب اليوم -

كايسيد عشرية الحوار والازدهار

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

قبل عشرة أعوام، ظهر ضوء في نهاية الأفق، ليفتح مسارات التلاقي والحوار، ويعزز من حياة الجوار وقبول الآخر، فقد جاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، كايسيد، ليمثل نقلة عصرية ومصيرية، على دروب تعزيز ثقافة إنسانوية راقية وخلاقة، سيما بعد مرور نحو عقد أو يزيد قليلا من دعوات حدية، اتسمت بالطابع الشمولي، وقسمت العالم من جديد تقسيما مانويا إلى فسطاطين، فيما بعض الرؤى الإيديولوجية الأخرى عادت لتملأ الأفق فوقية، قبل أن يتراجع أصحابها عن أوهامهم.

خلال العشرية المنصرمة، قدر لكايسيد، أن يغير الكثير من الطباع، ويبدل العديد من الأوضاع، وأن يحلق بسحابة مملوءة من الخير فوق رؤوس المتصارعين والمتناحرين، وبخاصة على صعيد الشقاقات ذات الطبيعة الدوغمائية، في أكثر من قارة حول الكرة الأرضية.

أدرك القائمون على كايسيد في مبتدأ الأمر أنه ما من سلام دائم من غير مقدرة حقيقية على فهم جذور العنف وأسبابه، والعمل على تجنبها، حرصا على السلام المجتمعي، والسعي في طريق إقرار العدالة والتي من دونها لا يقوم السلام.

جعل كايسيد من تماسك النسيج الاجتماعي في البقاع والأصقاع التي عمل فيها، أولوية، من أجل تعزيز السلم بين مختلف الفئات بغض النظر عن هوياتها الدينية أو السياسية أو العرقية، كما دعم كايسيد ولايزال أحد أهم المنتديات الخاصة بحوار أتباع الأديان، انطلاقا أنه ما من سلام بين الشعوب إلا حين يسود السلام بين أتباع الأديان.

سعى كايسيد في طريق التعددية والشراكة الإيجابية الخلاقة، معتبرا أن التعاون بين القيادات ومنظمات القيم الدينية وغيرها من الجهات الفاعلة، سياسية كانت أو اقتصادية، لهو أفضل آلية على طريق تعزيز التغيير الإيجابي طويل المدى، ودعم السلام، وهي شراكات موصولة، مستقرة ومستمرة.

وفي الوقت عينه بدا واضحا أنه من سلام حقيقي بدون استيعاب مكونات بشرية حقيقية وفاعلة، كالنساء والشباب، والأولى هي نصف المجتمع، فيما الثانية هي القوى الفاعلة المحركة، وقد جاء كايسيد ليمثل دعما واضحا جدا للمرأة، كما يتبدى في برامج مثل "هي للحوار"، وبهدف لا يغيب عن أعين واضعي استراتيجيات كايسيد، وهو زيادة قدرة المرأة على المشاركة في المناقشات لحل النزاعات وتبيان كيفية قيادة حملات الدعم والمناصرة.

والثابت كذلك، أنه لم يكن لمركز الملك عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الثقافات والأديان، والذي انطلق في العاصمة النمساوية فيينا، قبل أن ينتقل إلى لشبونة عاصمة البرتغال، أن يقوم على تلك الإنجازات الواضحة خلال الأعوام العشرة المنصرمة من غير عملية بناء ثقة بين صناع السياسة والمجتمعات المحلية الدينية، ذلك أن الإسهام في التحويل السليم للنزاعات وعملية بناء السلام المستدام، تتطلب التركيز على المبادرات الشعبية وإعطاء الأولوية للمسار في صنع السياسات.

في هذا السياق بدا القائمون على كايسيد على درجة عالية من الوعي للنوازل المعاصرة التي يمكنها أن تعكر صفو علاقات الأمم والشعوب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أزمات اللاجئين والمهاجرين، ولهذا بلور كايسيد المنتدى الأوروبي السنوي للحوار، والذي تتبادل فيه القيادات الدينية الأفكار مع صانعي السياسات وغيرهم من الخبراء، والسعي لمواجهة تحديات الأوقات الراهنة، والبحث عن حلول ابتكارية غير تقليدية، ومن خارج الصندوق، لمداواة جراح العنصريات والشوفينيات، والتي تكاد تشعل حرائق حضارية بطول الأرض وعرضها.

وفي طريق عشرية كايسيد للحوار والازدهار بان جليا الأهمية الكبرى لوسائل الإعلام المعاصرة، تلك التي باتت تصنع صيفا أو شتاء، وقادرة على أن تجمع البشر أو تفرقهم، وقد أولى اهتماما كبيرا بدعم الصحافة المراعية لحساسية النزاعات والتصدي لخطاب الكراهية.

نجح كايسيد في تضمين العديد من وسائل الإعلام، ضمن آليات عمله الناجح، واكتسب بذلك شريكا أساسيا وعنصرا فاعلا رئيسا في التأثير في مختلف الشركاء على مختلف مستويات متعددة من المجتمع.

وفي هذا الصدد قدم كايسيد برامج للزمالة الصحافية للحوار، بغية تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في شتى المجتمعات المحلية وإيجاد ثقافة حوار وبناء السلام داخل وسائل الإعلام العربية على نحو خاص.

لم يكن لبرامج ودورات كايسيد أن تغفل عما تقوم به المجتمعات الرقمية في عالمنا المعاصر، من تأثيرات إن إيجابية أو سلبية. وهنا عمل مركز الملك عبد الله على برنامج كايسيد للزمالة الدولية لمحو الأمية الرقمية لزملائه وخريجي برامجه.

ساعدت تلك الزمالة على إعلاء الأصوات المهمشة وبناء قدرات الشركاء وإبراز العمل والجهود على المستوى الشعبي ومستويات صياغة السياسات في جميع أنحاء العالم.

ولعله من المؤكد أن محو الأمية الرقمية لا يفيد وحده إن لم تكن هناك محاولات جادة لمحو ما أطلق عليه "الأمية" الدينية، كركيزة مهمة في بناء السلام.

اهتم كايسيد بإزالة حالة الضبابية المغلفة ربما بجهل حقيقة الآخر الدينية والإيمانية، ومن هنا ظهر المجلس اليهودي الإسلامي في أوروبا، إذ وجد الشركاء أن تجديد احترام الهويات الدينية في أوروبا على سبيل المثال يتطلب أولا توسيع معرفة المجتمعات بالإسلام واليهودية.

وخلال مسيرة عشرة أعوام خلص رجالات كايسيد الذين يعملون بعزم ويفكرون بحزم، أنه من أجل بناء السلام وتوطيد التماسك الاجتماعي، لابد من الاستثمار في الجهود الرامية إلى تدريب الجهات الفاعلة الدينية وغيرها من الشركاء من منظور ديني.

من هنا اعتبر كايسيد أن التعليم والتدريب هما جوهر برنامج كايسيد الذي يعد أطول برامج المركز مدة، والذي تخرج فيه زملاء من أديان متنوعة وبلدان عديدة في إفريقيا والمنطقة العربية وآسيا وأوروبا والعالم، وينضمون بعد تخرجهم إلى شبكة خريجي زمالة كايسيد التي تتيح فرص التعارف الرقمي.

ولعله من دون تهوين أو تهويل، يمكننا القطع بأن نجاحات كايسيد قد شهد لها رجال مشهود لهم بالحكمة والإرادة الطيبة، ويوما تلو الآخر تمضي مسيرة مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في دروب الشركة والمودات، والسعي لتجنيب العالم أهوال البغض والكراهيات.

نبارك لكايسيد والقائمين عليها، العشرية المنصرمة، ونعمل ونأمل معا، في عقود قادمة من النجاحات بأمر الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كايسيد عشرية الحوار والازدهار كايسيد عشرية الحوار والازدهار



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib