ماذا يفعل بوتين في طهران

ماذا يفعل بوتين في طهران؟

المغرب اليوم -

ماذا يفعل بوتين في طهران

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

مرة جديدة يثبت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا أضحت ثعلبا سريع الخطى، قادرا على القفز على الحدود وتجاوز السدود، جغرافية كانت أم أيديولوجية، وأن بلاده لم تعد الدب الثقيل الحركة، كما كان الحال في زمن الاتحاد السوفيتي.

بسرعة فائقة وقبل أن يتوقف الجدل الدائر حول زيارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إلى الشرق الأوسط، كان القيصر يتوجه إلى طهران، لا ليلتقي المرشد والرئيس فحسب، بل رئيس تركيا كذلك، ما دعا البعض لطرح علامة استفهام عن الهدف الذي يجمع ثلاثة أطراف متباينة سياسيا وعرقيا ودوجمائيا دفعة واحدة، بين سني عثمانلي تركي، وشيعي فارسي، وسلافي أرثوذكسي، والجواب أنها السياسة، وعالم المصالح، هنا حيث لا أنساق أخلاقية، ولا مبادئ وقيم أدبية أو إنسانوية، بل خطوات تكتيكية، تمضي قدما لتحقيق أهداف استراتيجية.

بداية يمكن القول إن توجهات الدول الثلاث تكاد تكون في تضاد لأسباب مختلفة، لكن ما يجمع المصابينا، وكما يقول الشاعر العربي، هو المصائب عينها، وفي سياق اللعب على المتناقضات، وسباق ملء مربعات نفوذ عالم ما بعد أميركا، توضع الكثير من الخلافات البينية جانبا، ويتطلع الجميع إلى وحدة الهدف.

تبدو أوراق طهران واضحة للجميع، من غير مواراة أو مداراة، فهي تسعى لحيازة سلاح نووي، يجعلها المكافئ الموضوعي لقوى إقليمية أخرى في الشرق الأوسط، عطفا على توجهاتها لبسط سيطرتها في المنطقة بأدواتها التقليدية، وفي مقدمها ميليشياتها التي تمثل خناجر مغروسة في خاصرة الخليج العربي وبعض من الشرق الأوسط.

أما موسكو، فيمكن النظر إليها بعين مغايرة، إذ لا تزال قوة دولية قادرة على المساهمة ولو بعنف، في رسم صورة العالم، ويعتقد القيصر جازما، أنه قادر على إعادة صياغة حركة التاريخ في الوقت الراهن، تلك الحركة التي تبدأ من أوكرانيا، وربما تمتد إلى المزيد من البقاع والأصقاع حول العالم.

العجب العجاب في واقع الحال نجده في الطرف الثالث في قمة طهران، أي في تركيا، والتي تعاني من أزمة عميقة مرتبطة بالهوية، لا سيما أنه لا توجد جذور عرقية تركية، على خلاف الفرس والسلافيين الروس، ومن هنا يمكن للمرء سيكولوجيا فهم التغيرات والتبدلات التي تجري في عقل أردوغان، والذي ينتقل في مواقفه، بحسب موازين القوة والضعف، يشاغب روسيا تارة، ويهدد الناتو تارة أخرى، والجميع يعرف أنه لا يصلح كحليف، بل في أفضل الأحوال لا يتجاوز موقع وموضع الوسيط.

في طهران تبدو هناك ثلاثية تبادل مصالح واضحة للغاية، خاصة في ظل الأزمات التي تعيشها روسيا وإيران في الداخل، وتركيا مع إطارها الخارجي.

لم تنطلِ على أحد ذريعة اجتماع الأقطاب الثلاثة بحجة بحث سبل السلام في سوريا، ذلك أن ثلاثتهم لا يحملون الخير للسوريين، وإنما هي المطامع والمطامح الشخصية، ومحاولة إيجاد موطئ قدم بالقرب من المياه الدافئة في المتوسط، وبخاصة الجانب الروسي، حيث كان هذا هو الحلم من زمن بطرس الأكبر وكاترينا العظيمة إلى الجالس سعيدا في الكرملين فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين.

أبطلت قمة جدة التهاويم التي راجت حول نشوء وارتقاء حلف عسكري، أطلق عليه ذات مرة ومن غير أدنى واقعية، الناتو العربي، نقول إن المجتمعين في جدة من حكماء العرب المحدثين، قد نزعوا فتيل التذرع بمثل تلك حجة، فلا أحلاف عسكرية، ولا توجهات عدائية، وإنما العرب تبغي الحياة والنماء، لا الموت والفناء، وبهدف خدمة الأجيال القادمة، عسى أن يكون نصيبها أكثر وفرة ممن سبقها.

يذهب القيصر إلى طهران، وبعيدا عن كل ما يقال من مصطلحات أقرب إلى اللغة الخشبية، بشأن التعاون المشترك، والسلام الدائم، بحثا عن تعاون عسكري أول الأمر، وهو الذي يعاني من التضييق عليه، لا سيما بعد سلسلة العقوبات العسكرية والاقتصادية التي فرضتها أميركا ودول أوربا، في أعقاب غزو أوكرانيا.

هنا يبدو من المثير القول إن الروس يسعون للحصول على نحو خمس مائة مسيرة إيرانية من طهران، وهم الذين عرفوا قدر هذه الآلة الجهنمية في الحروب الحديثة، وما تفعله في ميادين الحروب.

لكن لماذا مسيرات من إيران تحديدا؟

هنا تبدو الحبكة الدرامية، والتي ينبغي التنبه لها عربيا، ذلك أن طهران باتت لديها نحو 15 خط إنتاج للدرونز، وبحسب معلومات الاستخبارات الروسية، فقد تحصلت إيران على طائرات مسيرة أميركية وإسرائيلية، تم إسقاطها ضمن الصولات والجولات الجارية منذ سنوات في المنطقة، ومع تفكيكها تمكن الخبراء من مضاهاتها وإنتاج مثيل لها.

يتساءل البعض هل يمكن لإيران أن تقدم موانئ لروسيا لتعزيز حضورها العسكري في الخليج العربي وبالقرب من الشرق الأوسط، وضمن مباراة الشطرنج العسكرية الدولية العائدة إلى السماوات الأممية مرة ثانية؟

قبل نحو عامين كان هناك حديث عن اتفاق صيني إيراني يسمح بتأجير جزر إيرانية للصينيين، وقد ثار من حوله جدل واسع، وغير واضحة مآلاته حتى الساعة.

في الحالة الروسية ورغم أن الدستور الإيراني يمنع قيام قواعد عسكرية أجنبية على أراضي البلاد، إلا أن ذلك وبثمن نووي محسوب غالبا، يمكن لطهران تقديم تسهيلات للقوات البحرية الروسية في مرفأي بندر عباس وشاهبار، أو تأجير أراض بالقرب من تلك المرافئ.

ما الذي لدى القيصر لإيران؟

المواد الغذائية، لا سيما الحبوب، وفي توقيت تعاني فيه إيران من أزمات الجوع داخليا، عطفا على التنسيق المشترك في دائرة بيع النفط، فطهران وموسكو تعانيان من حظر تصدير، ما يجعل البحث عن مشترين دوليين لا يخضعون للضغوطات الأميركية ولا الأوروبية أمرا حيويا وعاجلا.

ماذا عن أردوغان؟

يظل يقايض بأوراق الوساطة، والتهديد، ومن غير قدرة على بناء فعل خلاق، والأمر له حديث آخر، فإلى اللقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا يفعل بوتين في طهران ماذا يفعل بوتين في طهران



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib